قوله تعالى : (الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ).
التربّص : الانتظار ، وعدم ذكر متعلّق التربّص ليشمل كلّ أمر مكروها كان أو محمودا ومحبوبا. أي : ينتظرون وقوع أمر بالمؤمنين.
قوله تعالى : (فَإِنْ كانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللهِ قالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ).
تفصيل لما أجمله آنفا. والمعنى : وإن كان للمؤمنين فتح من الله تعالى برعايته لكم وإفاضته عليكم ما أوجب الظفر على أعدائكم قال المنافقون : ألم نكن معكم نظاهركم ونجاهد عدوكم فاسهموا لنا فيما غنمتم.
وتقييد الفتح بكونه من الله لبيان أنّه وعد منه عزوجل ، كما قال تعالى : (وَكانَ حَقًّا عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ) [سورة الروم ، الآية : ٤٧].
قوله تعالى : (وَإِنْ كانَ لِلْكافِرِينَ نَصِيبٌ قالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ).
مادة [حوذ] تدلّ على الحوط ، يقال : حاذه حوذا إذا حاطه ، ومنه الحاذيان وهما جانبا الفخذين من الوراء ، وسمّي السائق للبعير وغيره من الدواب حوذيا ؛ لأنّه يضرب حاذين البعير ، ومنه استحوذ على الشيء ، أي : غلب عليه وتمكّن من تسخيره والتصرّف فيه ، ومنه المحاذي للشيء ، فإنّ معنى الإحاطة مأخوذ في جميعها ، وفي الحديث : «ليأتين على الناس زمان يغبط فيه الرجل بخفّة الحاذ كما يغبط اليوم أبو العشرة» ، أي الاستيلاء على المال أو العيال ، وذلك كناية عن القلّة والخفّة فيهما. والفعل استحوذ ونستحوذ جاء على الأصل من غير إعلال ـ كما جاء استروح واستصوب ـ خارجة عن أخواتها نحو : استقال واستقام وأشباههما ، فلو أعلّ لكان : ألم نستحذ ، والفعل على الإعلال استحاذ فيستحيذ.
وقد وردت هذه الكلمة في القرآن الكريم في موضعين ، أحدهما المقام ، والثاني في قوله تعالى : (اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطانُ) [سورة المجادلة ، الآية : ١٩].
والمعنى : أنّهم يقولون للكافرين إذا أصابهم حظّ من الحرب والظفر منّا عليهم : ألم نستول عليكم ونتمكّن من قتلكم فلم نفعل بكم ونمنعكم من وصول