قوله تعالى : (وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً).
بيان لحقيقة من الحقائق الواقعيّة الّتي لا تقبل التغيير والتبديل ، وهي أنّ السبيل للمؤمنين ولن ينعكس أبدا ، وتتضمّن الوعد منه عزوجل لهم الغلبة والنصر على الكافرين ، وتأييس للمنافقين بأنّ الغلبة للمؤمنين فلا ينفعهم موالاة الكافرين. ومن القرائن الحافّة بهذه الآية الشريفة يستفاد أنّ السبيل المنفي يشمل جميع أنحائه من الظاهري ـ وهو الغلبة والنصر ، والاستيلاء ـ والمعنوي وهو الحجّة والبرهان ، فإنّ قوله تعالى : (فَإِنْ كانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللهِ) إشارة الى القسم الأوّل ، وقوله تعالى : (فَاللهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ) إشارة الى القسم الثاني ، فإن كان للكافرين غلبة وقوّة في الحال ولكن للمؤمنين الغلبة والنصر في المآل كما وعد عزوجل قال تعالى : (وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) [سورة آل عمران ، الآية : ١٣٩].
وأمّا الغلبة في الحجّة والبرهان فلا ريب فيها من أحد ، وتخصيص الآية الشريفة بأحد القسمين : الظاهري ـ بأن لم يجعل لهم على المؤمنين سلطانا تامّا بالاستئصال كما حكى عن السدي ـ أو المعنوي ، كما قلنا.
كما أنّ الإشكال بأنّ الغلبة الظاهريّة للكافرين قد تحقّقت في كثير من الأعصار ، فلا تشمل الآية الكريمة السبيل الظاهري.
غير صحيح ؛ لأنّ ذلك مؤقت ، وذلك لا يضرّ بعد وعد الله تعالى بالنصر للمؤمنين وما حصل للكافرين من الغلبة ، لا لأجل كونهم على الحقّ ، بل لإصرارهم على الباطل والاعتماد على تلك الأسباب الماديّة وعملهم بها بدقّة وإحكام ، بخلاف المسلمين الّذين أهملوا هذا الجانب ، كما أنّهم أعرضوا عن كثير من تعاليم الإسلام ، وقد وعد الله لهم بالنصر إن كانوا مؤمنين وعاملين بالأحكام الإلهيّة. وتدلّ عليه آيات كثيرة ونصوص مستفيضة ، منها ما تقدّم من قوله تعالى : (وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ) [سورة آل عمران ، الآية : ١٣٩] ، أي مؤمنين إيمانا صحيحا يدعو الى العمل بما اعتقدتموه.