وقد استدلّ الفقهاء بهذه الآية الشريفة في عدّة مواضع من الفقه لنفي السبيل عن المؤمنين ، وجعلوها قاعدة فقهيّة ، وهي : «نفي السبيل للكافرين على المؤمنين» ، واستدلّوا عليها بقول نبيّنا الأعظم صلىاللهعليهوآله : «الإسلام يعلو ولا يعلى عليه» ، فتختصّ الآية المباركة بالشرعيات عموما ، وقد ذكرنا ما يتعلّق بالقاعدة في مواضع من كتابنا «مهذب الأحكام» ، وسيأتي في البحث الفقهي بعض الكلام عنها.
قوله تعالى : (إِنَّ الْمُنافِقِينَ يُخادِعُونَ اللهَ).
صفة أخرى من صفات المنافقين ، وهي خداع الرسول والمؤمنين بإخفاء الحقيقة.
والمخادعة : هي شدّة الخديعة والإكثار منها ، وهي تمويه الحقيقة وإبهامها وإظهار خلاف ما يخفيه. وتقدّم اشتقاق الكلمة في سورة البقرة الآية ـ ٩.
ومخادعة الله هي مخادعة الرسول والمؤمنين تعظيما لشأنهم ، تنبيها على فظاعة فعل المنافقين وشناعته لكونه مبغوضا عنده جلّ شأنه ، وأنّ المعاملة مع الرسول معاملة مع الله تعالى ، قال عزوجل : (إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللهَ) [سورة الفتح ، الآية : ١٠].
ومخادعة الله تعالى إنّما تتحقّق بالاستهزاء بدينه والغشّ في تعاليمه المقدّسة ، فإنّهم يظهرون الإيمان بذلك كلّه ويبطنون الإعراض عنها ومخالفتها وتكذيبها ويتقرّبون الى الرسول والمؤمنين كيدا بهم ، ولأجل تكرار ذلك منهم أو حصول الخداع منهم في كلّ واحد من تلك الأحكام الإلهيّة والتعاليم الربوبيّة ، والاستهانة بالرسول صلىاللهعليهوآله والمؤمنين صارت مخادعة منهم.
قوله تعالى : (وَهُوَ خادِعُهُمْ).
أي : والحال أنّ الله تعالى هو خادعهم ، أي يجازيهم على خداعهم ، وإنّما عبّر سبحانه وتعالى عن فعله بالخداع مشاكلة ، وهي نوع من أنواع البديع كما في قوله تعالى : (وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ) [سورة آل عمران ، الآية : ٥٤] ،