والمراءاة مشاركة في الرؤية ، أي يكون المرء في مشهد من الناس بحيث يراه الناس وهو يراهم قصدا منه رؤية الناس لأعماله فيحسبونه من المؤمنين.
والرياء : من الصفات الذميمة المهلكة ـ إلّا إذا أذن الشارع فيها كما في بعض التوصليات ـ ويكفي في قبحها أنّها من صفات المنافقين ، وهي إظهار الجميل ليراه الناس لا عقيدة به ولا لاتباع أمر الله تعالى فيه ، وهي من الشرك الخفي كما نطقت به جملة من الأخبار.
والآية الشريفة تنبّه المؤمنين الى أمر مهم ، وهو أنّ مجرّد القيام ببعض شعائر التعبّد خاليا عن كلّ إخلاص وغرض نبيل إلّا مراءاة الناس ، لا يعطي للقائم بها صفة الإيمان ، بل المحكّ الحقيقي في الإيمان ـ ما ذكرناه مرارا ـ هو التسليم لله وطاعته عزوجل والرضا بشريعته ، قال تعالى : (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً) [سورة النساء ، الآية : ٦٥] ، فإذا تحقّق المحكّ فيهم فهم مؤمنون ، وإن تحقّق خلافه فهم منافقون حتّى لو تظاهروا بالإسلام وقاموا ببعض الشعائر التعبديّة ، بل أدوا جميعها ، فإنّها إنّما تدلّ على الإيمان إذا كانت دالّة على الرضا والتسليم ، وهذا لا ينافي ما ورد في جملة من الأخبار من الاكتفاء بظاهر الإسلام والشهادة له بالإيمان إذا غشى المساجد وأدّى الفرائض ، ففي الحديث عن نبيّنا الأعظم صلىاللهعليهوآله : «إذا رأيتم الرجل يعتاد المساجد ، فاشهدوا له بالإيمان» ، فإنّ الاعتياد على دخول المساجد يكشف عن صدق إيمانه وكون ما يصدر عنه عن رضا وتسليم وتحاكم الى شريعة الله تعالى.
قوله تعالى : (وَلا يَذْكُرُونَ اللهَ إِلَّا قَلِيلاً).
وصف آخر من أوصاف المنافقين ، وهو عدم ذكر الله تعالى إلّا قليلا في مجالس المؤمنين ومجتمعهم ؛ لتعمية أحوالهم عليهم كما عرفت آنفا.
وإنّما اعتبر عزوجل ذكرهم له قليلا ، لعدم التقوى فيهم باشتغال قلوبهم بالنفاق ومراءاة الناس والخديعة بالمؤمنين والمكر بهم ، وكلّ عمل بلا تقوى يكون