والاعتماد عليهم وطلب المعونة منهم ، فتكون الولاية المنهي عنها هي نفس الولاية المأمور بها للمؤمنين من دون فرق ، فإنّ الله تعالى يأمرنا بولاية المؤمنين ، وهي حبّهم والدخول في زمرتهم والاعتماد عليهم وطلب المعونة منهم ونصرتهم ، وهذه هي الّتي نهى المؤمنين أن يتّخذوها مع الكافرين.
ولعلّ السرّ في التأكيد على هذا الأمر أنّ ولاية الكافرين تستلزم كلّ تلك الصفات الذميمة الّتي اتّصف بها المنافقون ، فأوجبت إضلال أنفسهم وتحيّرهم وعدم اهتدائهم السبيل الّذي تنجيهم من الشقاء والهلاك ، وأنّ فيها محو أثر الإسلام واطفاء نور الإيمان في القلوب ، وتضعيف الروح المعنويّة في النفوس المؤمنة بالآخرة والمنقطعة إليه عزوجل ، وهدم كيان المجتمع النبيل عن شريعة الله تعالى وتعاليمه المقدّسة والدخول في سخطه عزوجل.
قوله تعالى : (أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطاناً مُبِيناً).
تأكيد للنهي السابق وتهويل أمر ولاية الكافرين وبيان عظيم أثرها في نفوس المؤمنين كما عرفت. والسلطان هو الحجّة والبرهان ، وهو ممّا يجوز فيه التذكير ـ باعتبار البرهان ـ والتأنيث باعتبار الحجّة. والمبين : الواضح.
والمعنى : أتريدون أن يكون لله تعالى عليكم حجّة ظاهرة واضحة في استحقاقكم للعذاب إذا اتّخذتم الكافرين أولياء من دون المؤمنين ؛ لأنّ ولاية الكافرين دليل النفاق والاستهزاء بأحكام الله تعالى ودين الحقّ ، وهذه حجّة.
والآية المباركة تشير الى أمرين :
أحدهما : أنّ الله تعالى نهى المؤمنين عن موالاة الكافرين ، وهذه حجّة.
الثاني : أنّ موالاة الكافرين أوضح دليل على النفاق ، وهذه حجّة ثانية ، وكلتا الحجّتين قد ذكرهما عزوجل في الآيات السابقة ، وإحديهما تكفي في استحقاق العذاب.
قوله تعالى : (إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ).
الدرك ـ بسكون الراء وفتحها ـ هي الطبقة ، وسمّي بها لأنّها طبقات متتابعة