بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَداءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيراً فَاللهُ أَوْلى بِهِما فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً (١٣٥) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلى رَسُولِهِ وَالْكِتابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً (١٣٦))
الآيتان الشريفتان من الآيات المباركة المعدودة في القرآن الكريم الّتي تعدّ هذه الامّة إعدادا عمليا صالحا لتحمّل المهمّة الكبرى الّتي أنيطت إليها ، حيث جعلها خير أمة تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر ، وأنّها أمة وسط شهداء على الناس ، وقد ميّزها عزوجل بهاتين المهمتين ، أي الشهادة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، الّذين يكونان تطبيقا عمليا للعقيدة.
أما الآية الاولى ، فهي آية تربويّة توجيهيّة لإقامة العدل الإلهي في هذه الأرض المليئة بالعدوان ؛ ليتنعّم البشرية وتقوم بالقسط. وهذه المهمة لا يمكن أن يقوم لها أساس إلّا بتربية من يقوم بها تربية خاصّة صالحة ؛ ليتجرّد للحقّ وإقامة العدل ، فإنّ الإنسان عرضة للميل إلى الأهواء ، فأمر عزوجل أن يكونوا قوامين شديدي التمسّك بالقسط في كلّ شؤونهم وما يتعلّق أو من يتعلّق بهم حتّى يكونوا شهداء لله تعالى ، لا إلى المصالح والمنافع ولا رئاء الناس ، وهو يتطلّب التضحية ، فلا يكون الغنى والفقر ولا غيرهما هو الميزان في العدل ، بعد أن كان إقامة القسط والعدل لله تعالى وأنّ مرضاته عزوجل هي الهدف والغاية ، لا الأهواء الّتي تزيغ الإنسان وتحدّه عن إقامة العدل.