أفسدوها مع المؤمنين في الدارين ويعدون من عدادهم ؛ لأنّ المنافقين قد أفسدوا فطرتهم فلم يمكنهم الرجوع بمجرّد التوبة بالشروط المذكورة ، بل يحتاج الى جهاد وتحمّل مشقّة في ترويض النفس على الإيمان حتّى تستقرّ في قلوبهم تلك الأوصاف ؛ ولذا كانوا في ابتداء الأمر مع المؤمنين الى أن يوفّقهم الله تعالى بالدخول فيهم فيكونوا منهم حقيقة.
قوله تعالى : (وَسَوْفَ يُؤْتِ اللهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْراً عَظِيماً).
أي : وسوف يعطي الله المؤمنين جميعا ـ من تقدّم منه النفاق ثمّ تاب ، ومن لم يتقدّم منه النفاق ـ أجرا عظيما لا يعلم كنهه وقدره إلّا الله تعالى ، فيساهم التائبون المؤمنين في ذلك الأجر.
قوله تعالى : (ما يَفْعَلُ اللهُ بِعَذابِكُمْ).
تأكيد للوعد السابق للمنافقين بأنّهم إن تابوا فإنّ الله تعالى لن يعذبهم ؛ لأنّه ما يفعل بعذابهم إن شكروا وآمنوا ، وتطمين لقلوب المؤمنين جميعا بأنّ الله تبارك وتعالى لا يحبّ عذاب أحد ، وإعلام لجميع الناس بأنّ الله غني لا يعذب أحدا من دون استحقاق له ، وأنّ عذابه لم يكن انتقاما ولا تشفيا من الغيظ ليخمد ثورة الغضب الكامن في قلبه كما هو شأن الإنسان حين ما يغضب ، كما لا يكون عذابه لدفع ضرر ولا لجلب منفعة ، فهو الغني المتعال عن جميع ذلك.
وفي التعبير ايحاء عجيب ، وكمال العطف بخلقه ، ويستفاد من هذا الأسلوب البديع الّذي اشتمل الاستفهام فيه (ما) على النفي على الموجب عن العذاب بنفي الفعل ، وهو أسلوب بلاغي فصيح ، فما يفعل الله تعالى بعذاب أحد لأنّه لم يكن فيه موجب لعقابه تعالى ، فلم يحبّ أن يعذب أحدا من غير استحقاق منه ، بل يعاقب المسيء المصرّ على الإساءة ؛ لأنّه يكشف عن فساد نيّته وسوء سريرته ، فإذا زال ذلك بالشكر والإيمان ونقّى نفسه وطهّرها بالتوبة ، تخلّص من تبعات الكفر والآثام ، فكان في مأمن من العذاب كما وعد عزوجل.