ومنها : قوله تعالى : (إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ) فإنّ إثبات المثليّة بين طائفتين في الإيمان والكفر لا تحصل إلّا في ظرف الاختيار ، ولا يمكن أن تتحقّق بين طائفتين مجبورتين على الإيمان والكفر ؛ لأنّه لا يمكن أن يخرج المجبور عن ما اجبر عليه.
إن قلت : إنّ الذمّ قد يتعلّق لصفة غير اختياريّة ، كما يقال مثلا : الحنظل مرّ.
قلت : إطلاق الذمّ على أمر غير اختياري شيء والعقاب عليه شيء آخر ، وانّه يتعلّق بأمر مختار ، فبالاختيار يأكل الحنظل ويترتّب عليه آثاره الوضعيّة ، وكذا في الكفر وهكذا ، وللكلام تفصيل موكول الى محلّه.
ومنها : قوله تعالى : (أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطاناً مُبِيناً) فإنّه يدلّ على أن من أراد الكفر فقد اختار إلزام نفسه بالحجّة ، وأراد لنفسه العقاب ، ولا وجه لثبوت الحجّة على أمر هو مجبور على فعله أو مفوض إليه ، كما هو واضح.
ومنها : قوله تعالى : (ما يَفْعَلُ اللهُ بِعَذابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ) فإنّه يدلّ بوضوح على نفي الجبر والتفويض ، إذ العذاب وجودا وعدما معلّق على اختيار الإيمان والكفر.
ومجموع الآيات الشريفة تدلّ على النظرية الّتي أسّسها الأئمة الهداة عليهمالسلام في أفعال الإنسان ، وهي نظرية الأمر بين الأمرين ، فإنّ قوله تعالى : (لَمْ يَكُنِ اللهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً) يدلّ على أنّ الهداية والتوفيق من الله تعالى ، فلا بدّ منهما في كلّ فعل من الأفعال ، فمن يختار الإيمان والطاعة إنّما يكون بتوفيق منه عزوجل ، ومن كفر وأعرض عن الطاعة فقد سلب منه التوفيق ، ومن المعلوم أنّ التوفيق لم يكن العلّة التامّة في تحقّق أحدهما ، وإلّا كان مناقضا للأدلّة المتقدّمة الدالّة على نفي الجبر وثبوت الاختيار.
إن قلت : إنّ التوفيق والهداية من الله تعالى وإن لم تكونا العلّة التامّة ، ولكنهما جزء العلّة ، والمعلول ينتفي بانتفاء أحد أجزاء العلّة.
قلت : نعم إنّ التوفيق جزء العلّة ، ولكن الجزء الآخر هو اختيار الإنسان ،