التوفيق والهداية لا بدّ منهما في حياة الإنسان المادّية والمعنويّة ، ولا يمكن بدونها أن يصل الى الكمال ، بل ولا يستعدّ للاستكمال. وفي الدعاء المأثور : «ربّنا لا تكلنا الى أنفسنا ، فإنّك إن وكّلتنا الى أنفسنا تباعدنا من الخير وتقرّبنا الى الشرّ».
الرابع : يستفاد من قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً) جواز إطلاق الإيمان على الإيمان غير المستقرّ ، كما يدلّ أيضا على أنّ للايمان مراتب ، وكذا الكفر.
الخامس : يستفاد من الآيات المباركة العلل الّتي توجب النفاق ، وهي عديدة ، ومنها راجعة الى نفسيّة المنافق ، كالتذبذب في الاعتقاد ، وعدم اليقين بآثاره الحسنة الّتي تقع في النفس ، ومن هذا القسم الرياء أيضا. فإنّه يرجع الى عدم الاعتماد على الله تبارك وتعالى لانتفاء الثقة به عزوجل.
ومنها : راجعة الى العمل ، كالكسل في العبادة وابتغاء المنفعة في جميع الأفعال.
ومنها : راجعة الى فساد النيّة ، وهي الخديعة ، وعمدتها الاستهزاء بالله وآياته وتعاليمه المقدّسة ، واتّخاذ الكافرين أولياء بالقعود معهم وإلقاء المودّة إليهم ، وابتغاء العزّة عندهم بالإعراض عن المؤمنين وطريقهم إلّا في ما يثبتون نفاقهم به.
والآيات الشريفة من الآيات المعدودة الّتي تبيّن الجوانب المتعدّدة في صفة النفاق ، وسيأتي في الموضع المناسب تفصيل الكلام فيها.
السادس : يستفاد من قوله تعالى : (إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ) أنّ القعود مع أهل الكبائر والجلوس مع أرباب المعاصي ، يستلزم الانخراط فيهم والاشتراك معهم في المعصية ، وانطباع آثارها عليهم ، ولو لم يكن من آثارها إلّا سلب التوفيق لكفى في الابتعاد عنهم ، ففي دعاء أبي حمزة الثمالي عن علي بن الحسين (صلوات الله عليهما) عند تعداد ما يوجب سلب التوفيق قال عليهالسلام : «أو لعلّك رأيتني في الغافلين فمن رحمتك آيستني ، أو لعلّك رأيتني آلف مجالس البطّالين فبيني وبينهم خليتني ، أو لعلّك لم تحبّ أن تسمع دعائي فباعدتني».