وفي الكافي بإسناده عن أبي عمرو الزبيري عن الصادق عليهالسلام قال : «فرض الله على السمع أن يتنزّه عن الاستماع الى ما حرّم الله ، وأن يعرض عمّا لا يحلّ له ممّا نهى الله عزوجل عنه والإصغاء الى ما أسخط الله عزوجل ، فقال في ذلك : (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ أَنْ إِذا سَمِعْتُمْ آياتِ اللهِ يُكْفَرُ بِها وَيُسْتَهْزَأُ بِها فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ) قال : ثم استثنى الله تعالى عزوجل موضع النسيان فقال : (وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ)».
أقول : يستفاد من هذه الرواية امور :
الأوّل : أنّ التعبير الوارد في هذه الرواية وأمثالها من تعلّق التكليف بالجارحة ، كقوله عليهالسلام : «فرض الله على السمع» ، إنّما هو باعتبار أن الجارحة الخاصّة هي المباشرة للعمل أو الصادرة منها ، وإلّا فإنّ التكليف يتعلّق بالنفس الكاملة ـ لا بالجوارح الّتي هي تحت إرادة النفس ـ فإنّها المسؤولة عن التكاليف ، كالغيبة مثلا تصدر عن اللسان أو الكذب أو غيرهما ، فإذا كان شخص لم يكن له لسان كالأخرس فأشار بما يسوء أخاه المؤمن المعيّن أو كتب ذلك ، فهل لا تشمله أدلّة حرمة الغيبة بدعوى أنّ الوارد فيها فرض الله على اللسان مثلا؟! مع أنّ العقاب على النفس وتمام الجسم كما ثبت في علم الكلام ، وفي المقام : «فرض الله على السمع» باعتبار أنّ السمع هو المباشر ، وإلّا فالتكليف متوجّه الى النفس.
إن قلت : مقتضى الآية الشريفة أنّ الأعضاء هي المسؤولة ، قال تعالى : (إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً) [سورة الإسراء ، الآية : ٣٦].
قلت : أولا : إنّ الآية المباركة في مقام بيان طلب الإقرار في يوم القيامة ، نظير قوله عزوجل : (يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) [سورة النور ، الآية : ٢٤] ، وقوله تعالى : (الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ وَتُكَلِّمُنا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) [سورة يس ، الآية : ٦٥] ،