والنهي عن القعود معهم يشمل عدم إعانتهم بالأولوية ، أو المراد ذلك بالمنطوق ، كما عن بعض المفسّرين ، ويدلّ على ذلك أيضا قوله تعالى : (وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ) [سورة المائدة ، الآية : ٢] كما دلّت عليها روايات كثيرة ذكرناها في المكاسب المحرمة من كتاب (مهذب الأحكام).
وقد خصّصت القاعدة بموارد كالاضطرار ، والتقيّة لحفظ النفس الّتي هي من باب تقديم الأهمّ على غيره ، وهدايتهم الى الحقّ وغير ذلك ممّا هو مذكور في محلّه.
وفي قوله تعالى : (إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ) دلالة واضحة على وجوب النهي عن المنكر إن توفّرت شروطه من القدرة وزوال العذر والتأثير ، وإلّا فإنّ من رضي بمنكر رآه وخالط أهله كان شريكهم في الإثم وإن لم يفعل ، وأنّ ترك المنكر مع القدرة على رفعه وتوفّر سائر شروطه ، ذنب عظيم وخطيئة كبيرة.
وقيل : يستفاد من الآية المباركة أنّه يجوز مجالستهم في غير ما ذكر في الآية الشريفة من الاستهزاء والخوض في آيات الله تعالى ، كما لو خاضوا في حديث غيره ، لأنّ (حتّى) غاية للتحريم.
لكن الأخبار الواردة في المقام تدلّ على وجوب الإعراض عن الكفّار المستهزئين ، وتحريم الميل إليهم ، ففي معتبرة عمر بن يزيد عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «لا تصحبوا أهل البدع ولا تجالسوهم فتصيروا عند الناس كواحد منهم» ، ومثلها غيرها.
وإنّما اقتصر عزوجل في قوله تعالى : (وَإِذا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) [سورة الأنعام ، الآية : ٦٨] على النهي عن القعود ، وذكر في هذه الآية الكريمة في هذه السورة (إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ) ؛ لأنّ سورة الأنعام مكيّة ، وإنّما كان المسلمون في مكّة عاجزين عن الإنكار ، فكان تركهم له لعجزهم ، وأمّا الآية الّتي في سورة النساء ، فقد نزلت والمسلمون يقدرون على الإنكار ، فإذا لم