ثمّ إنّه تقدّم أنّ عدم محبّته تعالى لأمر يدلّ على مبغوضيته وهو كاف في النهي التشريعي ، سواء أكان تنزيهيا أم إلزاميا ، والأدلّة الخاصّة تبيّن أحدهما والاقتصار عليه من دون ذكر النهي والتحريم فيه ، للإشارة الى أنّ المؤمنين لما تربّوا بالتربية الإلهية ، وتحقّق فيهم شعور خاصّ بالنسبة الى التوجيهات الربوبيّة وإحساس عميق بالالتزام بالتكاليف الشرعيّة ، يكفي لهم في الزجر عن شيء والامتناع عنه أن يقال لهم : «إنّ الله لا يحبّ الجهر بالسوء من القول».
أو لأجل بيان أنّ الامتناع عن الجهر بالسوء من القول ـ وتقييد اللسان بقيد حتّى لا ينفلت منه الكلام بغير حقّ ـ لا بدّ أن ينشأ عن شعور داخلي وضمير حساس متصل بالحي القيوم لكلّ ما يصدر منه قولا وفعلا ، من دون احتياج الى تكليف خارجي ، وإذا تحقّق أيضا إنّما يكون تأكيدا لما في الضمير.
أو لأنّ الحكم في الآية الشريفة موافق للفطرة ؛ لأنّه من أفراد الظلم الّذي هو مبغوض بالفطرة ، ويكفي في أمثال ذلك إثارتها ؛ ومن أهمّ ما يثيرها إعلام الكراهية منه عزوجل وعدم محبّته للسوء من القول ، وإليه يشير ما ورد في كلمات الفقهاء : انّ التكاليف الواردة في الأحكام الفطريّة إنّما تكون إرشاديّة ، لا أن تكون مولويّة.
وإنّما ذكر عزوجل اسم الجلالة ؛ لبيان أنّ التكاليف بجميع أنواعها سواء أكانت مولويّة أم إرشاديّة وإثارة الفطرة ، إنّما تكون من اختصاصه تعالى ، وليس لأحد غيره ذلك.
قوله تعالى : (إِلَّا مَنْ ظُلِمَ).
استثناء منقطع من التحريم ، و (ظلم) مبني للمجهول ، أي : يحرم الجهر بالسوء من القول إلّا من ظلم فإنّه لا بأس له بأن يجهر بالسوء من القول انتصارا ممّن ظلمه ، وإحقاقا للحقّ وإعلانا للواقع.
ويحتمل أن يكون الاستثناء متّصلا بتقريب : لا يحبّ الله الجهر بالسوء إلّا الصادر ممّن ظلم ، فإذا لوحظ الاستثناء باعتبار الحكم يكون منقطعا ، وإذا لوحظ