والقسط : هو العدل ، ومن أسمائه تعالى «المقسط» أي العادل ، وسمّي الميزان القسط أيضا ؛ لأنّ به يتحقّق العدل في الشيء ، وفي الحديث : «انّ الله لا ينام ولا ينبغي له أن ينام ، يخفض القسط ويرفعه» ، وهو كناية عن ما يقدّره الله للعباد من رفع شؤونهم وتنزيلها. وفي صفات المؤمنين : «إذا قسّموا أقسطوا» ، أي : عدلوا. وتقدّم ما يتعلّق بهذه الكلمة في قوله تعالى : (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى) [سورة النساء ، الآية : ٣] فراجع.
والقيام بالقسط من معدّات مقام الشهادة ، فلا يمكن أدائها بصدق وأمانة إلّا بإقامة القسط ، على ما عرفت فراجع. ومن هنا كان الابتداء بهذه الصفة له دلالته الخاصّة في أنّها من أهم مقوّمات الشهادة ولا يمكن أدائها إلّا مع القيام بتلك الصفة ، بل لا يتيسر للمؤمنين الشهادة إلّا بعد أن يكونوا قوامين بالقسط ، فتكون الشهادة في المقام ممّا اجتمع فيها الغاية والهدف والمقتضي والإعداد ، فهي مقوّم من مقوّمات إقامة القسط ، وهذا يدلّ على أهمية الحكم وعظمته.
وإطلاق الأمر يدلّ على لزوم القسط في جميع الشؤون في الحياة الاجتماعيّة والحياة الزوجيّة ، وفي علاقة الفرد مع خالقه أو مع نفسه ومع الآخرين.
قوله تعالى : (شُهَداءَ لِلَّهِ).
الشهداء جمع الشهيد ، وهذه الصيغة تدلّ على الصفات الراسخة ، كعليم وحكيم وغيرهما ، وتقدّم معنى الشهادة في قوله تعالى : (وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ) [سورة البقرة ، الآية : ٢٨٢] وغيره من الآيات الكريمة.
وتدلّ الآية الشريفة على لزوم الشهادة والعناية بها ، بأن تكونوا على استعداد ومراقبة تامّين ، وهما يحصلان بالعقيدة الخالصة والعمل بالأحكام الإلهيّة ، واللام في اسم الجلالة (لله) للغاية ، أي تكون الشهادة خالصة لله جلّت عظمته لا لغرض آخر ، فلا تكون للهوى ولا للمصالح والمنافع ولا للسمعة ورئاء الناس ، ولا محاباة لأحد ، ولا حبّ الثناء ونحو ذلك ، بل لا بدّ أن تتمّ الشهادة لله تعالى.
والتأكيد على هذا الأمر لأجل أنّه التوجيه الصحيح الّذي يعدّ المؤمن إعدادا