بحوث المقام
بحث دلالي
تتضمّن الآيتان الشريفتان على حكم تربوي إصلاحي له الأثر الكبير في تهذيب النفس ، وتوحيد صفوف المجتمع الإسلامي الّذي طالما تمنّى الأعداء تقويضه باستعمال كلّ الأمور والأساليب في إيجاد ثغرات ينفذون منها في تشتيت كلمتهم ، وكان من أهمّ الأمور الّتي تفتّت عضد المسلمين وتشلّ قواهم وتهدّد كيانهم ، وتقدح الفتنة بينهم ، هي الأقوال السيئة الّتي تؤجّج البغضاء والعصبية ، فإنّ ما يصدر من اللسان هو من أهمّ المؤثّرات في الإنسان ، سواء أكانت ايجابية أم سلبية ، وقد ورد في الحديث : «وهل يكب الناس على مناخرهم في النار إلّا حصائد ألسنتهم» ، أي : ما يقطعونه من الكلام الّذي لا خير فيه.
والآيتان الشريفتان تعالجان هذا الموضوع من جوانب متعدّدة ، فمن جانب تثبت فيه حكما شرعيا ، وهو التحريم بأسلوب لطيف يجعل المؤمن يشعر شعورا داخليا بأنّ الأمر مكروه وله مخاطر عديدة على النفس والمجتمع ، فقال عزوجل : (لا يُحِبُّ اللهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ) ، ويكفي للمؤمنين هذا الخطاب الربوبي في إثبات إحساس داخلي متّصل بالحي القيوم بالايتمار بأوامره والانتهاء عن نواهيه.
ومن جانب آخر يثبت الموضوع السوء من القول ويعتبره من أفراد الظلم الّذي تشمئزّ منه النفوس وتنفر منه الطباع وتنكره الفطرة ، وتعميمه بحيث يشمل جميع أفراده قولا كالبهتان والشتم والسباب ، أو عملا كالهمز ، وجميع ما يوجب إثارة الشحناء والبغضاء.
وإنّما خصّ عزوجل السيء من الأقوال لعظيم أثرها في النفوس ؛ ولأنّها الوسيلة الوحيدة في تضعيفها ، وانتشار السيء من الأفعال ومنها ينفذ الأعداء ، ثمّ