يعالج الفرد الواقع منه في المجتمع بأسلوب تربوي يحدّ من انتشار أمثاله ويقلّل من تأثيره على الإنسان المظلوم ، فأباح له مثل ما ظلم به من سيء القول ، ولم يبح له أكثر من ذلك ، فقال عزوجل : (إِلَّا مَنْ ظُلِمَ) ، وأعطى الضمان عزوجل لهذا الحكم فقال عزّ من قائل : (وَكانَ اللهُ سَمِيعاً عَلِيماً) ، فإنّ الله تعالى يسمع أقوال الظالمين فيجازيهم عليها ، كما يعلم شكاوي المظلومين وتظلّمهم ، فأباح لهم التظلّم بإظهار ما ظلموا به.
وهذا الحكم وإن لوحظ في الجانب التربوي للتحديد من الظلم إلّا أنّه لم يكن حاسما للموقف ، فحبّب إليهم الخير واعتبره عزوجل هو الأصلح في هذا الموقف الّذي لا بدّ من إزالة الشحناء وتطويق الخلاف ، واعتبره حكما إصلاحيا للنفوس بالترويض على الخير وجعله مستوليا على جميع مشاعرها ، فلا يقتصر على الخير في حالة واحدة ، بل من الأفضل تعميمه لجميع الحالات.
وخصّ من أفراد الخير العفو عن السيء كلّها ؛ لأنّه من صفات الباري عزوجل ؛ ولأنّه يزيل ما أوجب كدر الصفو بين الأفراد ، ويرجع الثقة بينهم ، فتضمّنت هاتان الآيتان حكما تربويا إصلاحيا ، واشتملتا على خلق كريم نبيل هو من أخلاق الله عزوجل ، وقد عرفت في التفسير أنّ هذا الخلق له الأثر العظيم في ما إذا كان عند المقدرة ، دون العفو التابع من الذلّة ، فإنّه ليس بتلك المثابة ولم يعد أن يكون خلقا كريما.
وتعلّق حبّه تعالى بأمر عقلي كقوله تعالى : (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) [سورة البقرة ، الآية : ١٩٥] يدلّ على أنّ ذلك لا يختصّ بهذا الدين الحنيف ، وإنّما يعمّ جميع الأديان السماويّة ؛ لأنّ محبّة المحسنين أمر فطري ، وكذا عدم حبّه لشيء تبغضه الفطرة ، فيكون قبح الجهر ممّا لا يختصّ بهذا الدين.
وإنّ قوله تعالى : (إِنْ تُبْدُوا خَيْراً أَوْ تُخْفُوهُ) يمكن أن يكون إشارة الى المراتب في العمل ، فمن كان قادرا على الإبداء والجهر بأن صان نفسه عن المهالك ـ