ومن العقل حكمه بالقبح ؛ لأنّه نوع من التعدّي على الغائب وظلم عليه ؛ لفرض أنّه يغمّه ويتأذّى لو سمع بذكر ما فيه.
ويعتبر فيها امور :
الأول : وجود سامع بقصد إفهامه ، فلو لم يكن سامع لا تكون غيبة.
الثاني : تعيين المغتاب وتشخيصه ، فلو قال : واحد من أهل البلد سارق ، لا يكون غيبة ، أو قال : أحد أولاد زيد جبان ، لا يكون غيبة ، أو قال : أحد أولاد الجار فاسق ، لا يكون غيبة وإن حرّم من جهة انطباق عنوان الهتك أو الإهانة بالانتقاص.
الثالث : أن لا يكون المغتاب (بالفتح) داخلا في المستثنيات الّتي سنذكرها.
الرابع : أن يكون المغتاب (بالكسر) جامعا لشرائط التكليف ، ولو فقد أحد هذه الشروط انتفى الحكم وإن تحقّق مفهوم الغيبة لغة في بعض الموارد.
وقد استثنى من حرمة الغيبة موارد كثيرة مذكورة في كتب الفقه ، ولكن أهمّها هي :
الأوّل : المتجاهر بالفسق ، فتجوز غيبته في العيب المتجاهر فيه ـ دون العيب المستتر فيه ـ إن قصد من غيبته ارتداعه عن فسقه بعد وصول الخبر إليه أو يحذّر الناس عنه ، فعن نبيّنا الأعظم صلىاللهعليهوآله : «اذكر الفاسق بما فيه كي يحذره الناس» ، فإذا علم أنّه لا يؤثّر فيه ـ كغالب الفساق الّذين انحرفوا عن الصراط المستقيم وران قلوبهم ـ ففي غيبته إشكال من إمكان شمول قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) [سورة النور ، الآية : ١٩] ، ودعوى سياق الآية الشريفة في غير المورد تحتاج الى دليل ، ومن شمول إطلاق بعض الروايات مثل قوله عليهالسلام : «من ألقى جلباب الحياء ، فلا غيبة له» إن لم يدع الانصراف عن المورد. نعم تجوز من جهة تحذير الناس في عدم وقوعهم في المهالك.
الثاني : الظالم لغيره ، فيجوز للمظلوم غيبته في ظلمه للانتصار وبلا تعدّي ؛