شبهاتهم التي غرّتهم في دينهم ، والخطاب يتضمّن اللطف في الدعوة ، وهو تأكيد للخطاب السابق في الدعوة إلى الإيمان ، إلّا أنّهما يفترقان في أنّ الأوّل دعوة إلى الرسول الذي أيّده الله تعالى بكتاب يهدي بإذنه عزوجل إلى ما فيه الخير والسعادة ، وهذا الخطاب يتضمّن مضافا إلى الدعوة إلى ما ورد في الخطاب السابق ، أنّه يقطع جميع الأعذار عنهم ، فيكون سياقه إتمام الحجّة عليهم ، مع أنّه لا يخلق هذا الخطاب عن لطف ، فإنّه عزوجل بعد ما أقام الحجّة عليهم بدحض دعاويهم الباطلة ، حسن منه أن يذكّرهم بحجّته عليهم يوم القيامة إذا أصروا على غرورهم ولجاجهم وضلالهم.
وحذف المتعلّق في قوله تعالى : (يُبَيِّنُ لَكُمْ) ، تفخيما للأمر وتعميما له ، ليشمل كلّ ما هم محتاجون إليه في سبيل سعادتهم الدنيويّة والاخرويّة ، وما يوجب صلاح أنفسهم وإصلاح أمورهم الفرديّة والاجتماعيّة ، الماديّة والمعنويّة. ويدخل فيه بيان ما كانوا يخفون من الكتاب ، وما يدلّ على أنّه حجة الله تعالى عليهم ، وما بيّنه عزوجل في دفع شبههم ودعاويهم ، فيكون من أقوى الأدلة على أنّه رسول الله تعالى نزل عليه الوحي المبين.
قوله تعالى : (عَلى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ).
مادة (فتر) تدلّ على السكون وزوال الحدّة من الشيء ، قال الراغب : «الفتور : سكون بعد حدّة ، ولين بعد شدّة ، وضعف بعد قوّة» ، فتختصّ هذه المادة بالسكون الخاصّ ، لا كلّ سكون ، وفي حديث ابن مسعود لما مرض بكى فقال : «إنّما أبكي لأنّه أصابني على حال فترة ولم يصبني في حال اجتهاد» ، أي : في حال سكون وتقليل من العبادات والمجاهدات.
والمعنى : على سكون خال عن ظهور رسول من رسل الله تعالى ، وعلى انقطاع من الوحي ، فكانت الحاجة ماسّة إلى بيان الشرائع والأحكام بعد ما كتموها.