وتدلّ الآية الشريفة على كتمانهم للحقّ ، وتحريفه عن كتبهم ، وشدّة الحاجة إلى البيان ، وترشد إلى هذا أنّ النبي صلىاللهعليهوآله هو الرسول الذي بشّرت به الكتب الإلهيّة السابقة ، إذ لم يكن رسول آخر غيره في هذا المقطع الخاصّ من الزمان ، الذي اختلف في مدته. والمشهور أنّها خمسمائة سنة أو أكثر بقليل ، فجاء رسولنا يبيّن لكم جميع ما تحتاجونه في حياتكم ، ليقطع معذرتكم ويفند حجّتكم في يوم القيامة ، فكانت هذه الفترة من موارد الامتحان والابتلاء.
قوله تعالى : (أَنْ تَقُولُوا ما جاءَنا مِنْ بَشِيرٍ وَلا نَذِيرٍ).
بيان للعلّة التي أوجبت مجيء الرسول ، وتقدّم الكلام في إعراب مثل هذه الجملة في قوله تعالى : (يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا) [سورة النساء ، الآية : ١٧٦] ، وقلنا : إنّ التقدير : كراهة أن تقولوا ، أو لئلا تقولوا.
وكيف كان ، فالآية المباركة تدلّ على قطع معذرتهم ، من توهّم اندثار الشريعة وانطماس آثارها وانقطاع أخبارها ، فلا شريعة ولا بشير ولا نذير يهديهم إلى مواطن الوعد والوعيد.
وهذه الآية المباركة تشير إلى ما ذكرناه في تفسير قوله تعالى : (فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً) [سورة النساء ، الآية : ٤١] ، من أنّ الأمم يوم القيامة تجحد تأدية رسالات رسلهم ، وتقول : ما جاءنا من بشير ولا نذير ، ويكون الرسل والأنبياء عليهم حجّة وتقول : بلى قد جاءكم بشير ونذير.
قوله تعالى : (فَقَدْ جاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ).
ردع لمعذرتهم وقطع لها ، فقد جاءكم بشير ونذير يبيّن لكم امور دينكم. والآية الشريفة تدلّ على عدم انقطاع الوحي بالمرّة ، وفي الحديث عن علي عليهالسلام : «لا تخلو الأرض عن قائم لله بحجّة ، إما ظاهر مشهور ، وإما خائف مغمور».
من هنا ذهب علماؤنا (قدس الله أسرارهم) إلى أنّ في زمان الفترة بين