لضلّ الإنسان في ظلمات الجهل والكفر ، ولا نطمس نور الفطرة بالشبهات والأكاذيب ، ولما عرف الناس ما يحتاجون إليه لهدايتهم.
والآية المباركة تخبر عن حقيقة ما طرأ على التوراة والإنجيل من الضياع والفساد ، وما فعله رؤساء اليهود والنصارى في دينهم وما عبثوا به في كتبهم المقدّسة.
الرابع : يدلّ قوله تعالى : (قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللهِ نُورٌ وَكِتابٌ مُبِينٌ) ، على أنّ هذا الجائي قائم بهذا النور بنحو من أنحاء القيام المعروفة ، فإنّه نور من الله العظيم ، موضح لغوامض الكتاب المبين ، ومبيّن للمعارف الربوبيّة.
الخامس : يستفاد من قوله تعالى : (يَهْدِي بِهِ اللهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ سُبُلَ السَّلامِ) ، اشتراط فعليّة الهداية الإلهيّة باتباع رضوانه ، فتدور الهداية إلى السلام والسعادة مدار اتباع رضوان الله تعالى ، وتختصّ الهداية في المقام بأن تورد من اهتدى سبل السلام جميعها أو بعضها ، حسب لياقة الشخص ومقدار استعداده.
والظاهر من الآية الكريمة أنّ اتباع الرضوان هو ما تدعو إليه الفطرة المستقيمة وقرّرته الشرائع الإلهيّة ، ولا ريب أنّ اتباع الرضوان لا يتحقّق إلّا بالعمل بما تأمر به الفطرة والشريعة ، والانتهاء بنواهيها واجتناب سبيل الظلم الذي نفى عزوجل منه الهداية عن الظالمين ، قال تعالى : (وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) [سورة الجمعة ، الآية : ٥] ، فالآية الشريفة تعدّ الفرد المؤمن إلى هداية عظمى ، وهي الهداية إلى الصراط المستقيم ، المهيمنة على جميع سبل الهداية ، وهي الغاية القصوى من إنزال الشرائع الإلهيّة.
كما يستفاد من الآية المباركة أنّ الميزة الأساسيّة لهذه الهداية الخاصّة ، هي كونها تورد المهتدي إلى تلك السبل التي تدعو إلى السلام والخضوع لله تعالى والاستسلام له ، وبهذه الميزة يمكن تمييز هذه السبل عن سبل الشيطان ، التي تدعو إلى العصيان والخروج عن الطاعة وتورد سالكها إلى الشقاء والحرمان.