اختلاف النور :
النور كالوجود ينقسم إلى حقيقة ومجاز ، فالنور الحقيقي هو نور المبدأ جلّ شأنه ، كما هو الوجود الحقيقيّ ، وسائر الأنوار إشراق منه ، وهذا معنى ما ورد في الدعاء المأثور : «أنت نور الأنوار» ، أو «أنت ربّ الأنوار». وإنّ اختلافه في عالم الشهادة والإمكان حسب سعة إشراقه وانتشاره أو تحديده ، بل يختلف بمدى أثره وبارقته على القلب وحسب مناشئه ومصادره.
ولا يمكن تحديد هذا الاختلاف ، لتفاوت النفوس ، واختلاف الأسباب والآثار ، والتقرّب إليه مرتبة ودرجة ، ودنوا وبعدا ، إلّا أنّ الجامع الذي ممّا لا ريب فيه هو الكشف للنور ، كما أنّ للبصيرة الحكم ، وللقلب الإقبال والأدبار ، ولكن جميعها تختلف باختلاف المراتب والدرجات.
أما النور الحقيقيّ الذي لا يتصوّر فيه التشكيك ، فهو النور المختصّ بالمبدأ جلّ ثناه ، الذي تجلّى به ، وسمّى نفسه به ، فقال تعالى : (اللهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) ، فإنّه اللامحدود من جميع الجهات ـ جلالا وجمالا ، وإشراقا وملكوتا ـ فلا يتصوّر نور دونه ، والأنوار كلّها فائضة من بحر جبروته ، كما ورد في الدعاء المأثور : «يا نور النور ، يا منور النور ، يا خالق النور ، يا مدبر النور ، يا مقدّر النور ، يا نور كلّ نور ، يا نورا بعد كلّ نور ، يا نورا فوق كلّ نور ، يا نورا ليس كمثله نور» ، فالكائنات كلّها رشحة من رشحات نوره ، وفيض من بحار أنواره ، فعليه لا يعقل أن يكون الكون ظلمة ـ كما عن بعض أهل العرفان ـ لإضافته إليه وخلقه بالإرادة التكوينيّة ، إلّا أن يراد من الظلمة في حقّ أهل الحجاب ، لا لأهل الحقّ والعرفان.
وبتعبير أوضح : أنّ ذاته تعالى حقيقة النور الذي لا يوصف ولا يمكن تحديده إلّا بسلب النقائص عنه ، مستور عنّا كنهه ، جامع للكمالات وإليه تنتهي الكمالات ، ومنه أفاضت الأنوار.