بالله جلّت عظمته ، فمهما تحقّق أحدهما تحقّق الآخر ، ولكن لا على نحو الوجود والموجود حتّى يستلزم المحاذير ، بل على نحو المظهريّة والفناء فيه جلّ شأنه ، ولذيل الكلام بحث نفيس طويل ننتظر الفرصة للتعرّض له إن شاء الربّ جلّت عظمته وأراد.
وأمّا الثاني : فهو يختصّ بالمؤمنين والأولياء والصالحين ، قال تعالى : (يَوْمَ لا يُخْزِي اللهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنا أَتْمِمْ لَنا نُورَنا) [سورة التحريم ، الآية : ٨] ، وقال تعالى : (وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّها) [سورة الزمر ، الآية : ٦٩] ، أي : بوجود الأنبياء والأولياء والمؤمنين العالمين في أرض الحساب.
وهناك تقسيم آخر لنوره جلّ شأنه وهو نور الأعظم ، ونور العظيم ، ونور العظمة ، كما ورد في الدعوات المأثورة ، ويحمل ذلك على مراتب تجلياته أو يحمل على ادراكاتنا لتلك الأنوار والله العالم.
إشراق الأنوار :
كما أن للأنوار المحسوسة شروقا وغروبا تدلّ على وجودها وآثارها الخاصّة ، كذلك للأنوار المعنويّة ، فإنّ لها إشراقها على القلوب والنفوس ، ولا بدّ فيها من إزالة الحجب المانعة من الإشراق ، وهي تعلّق القلب بالمادة والماديات وتوطين حبّ الدنيا فيه ، وقد يغرب النور عنه وتخمد الفطرة ، كما عن عليّ عليهالسلام : «انّ هذه القلوب تملّ كما تملّ الأبدان» ، وأنّ القلوب تقبل على ما يوجب التصفية وتدبر عمّا يمنعه من التخلية والتحلية ، إلّا إذا وصلت إلى مرحلة لا تؤثّر فيها الأنوار مطلقا ، وأظلمت من جميع الجهات ، وحسب التعبير القرآني : القساوة ، أو أشدّ من الحجارة ، أو ران على قلوبهم ، فحينئذ يتمثّل الإنسان في الشرّ ويصير مصداقا للشرور (نستجير بالله تعالى) ، ومع ذلك كلّه فهو قابل للرجوع إلى الفطرة والاستعانة بها لإزالة الخبائث عنه ورفع الحجب ، كما يأتي تفصيل ذلك في الآيات المناسبة إن شاء الله تعالى.