الشريفة بحوث إلّا هذا البحث ، والحقّ أنّه لا يمكن أن يستفاد من الآية المباركة دخولها في الغسل ولا عدم دخولها ، فهي مجملة من هذه الناحية ، فلا بدّ أن يستفاد أحد الاحتمالين من الخارج وقد ورد في السنّة الشريفة ما يدلّ على دخولها في الغسل ، وتقدّم حديث جابر الحاكي عن فعل رسول الله صلىاللهعليهوآله ، ولعلّ دخولها يكون ممّا زاده صاحب الشريعة مثل ما زاد في الصلوات الخمس ، كما نطقت به الأخبار الصحيحة ، أو من باب المقدّمة العلمية.
وأما القول بأنّ (إلى) بمعنى مع ، أو القول بدخول الغاية في المغيّى إذا كانا من جنس واحد ، فلم يقم عليه دليل معتبر ، وسيأتي مزيد بيان في البحث الأدبي إن شاء الله تعالى.
قوله تعالى : (وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ).
المسح : إمرار اليد أو كل عضو لا مس على الشيء مباشرة أو بآلة ، وهو تارة : يكون مع الاستيعاب ، واخرى يكون بغير استيعاب ، ويختلف باختلاف القرائن ، والمعروف بين العلماء أنّه إذا عدّي بنفسه أفاد الاستيعاب ، وإذا عدّي بالباء سواء كانت للآلة أم غيرها ، دلّ على التبعيض ، يقال : مسحت العرق بالمنديل ، أو مسح يده بالمنديل ، أو مسح الشيء بالماء ليزيل ما علّق به من غبار ونحو ذلك. ولا ريب في أنّ المسح يتقوّم بتحريك الماسح على الممسوح ، فوضع اليد أو الإصبع على الرأس لا يسمّى مسحا.
وأسلوب الآية المباركة يدلّ على كفاية مسح بعض الرأس ، لمكان الباء ، وهو ما يسمّى مسحا في اللغة أيضا.
وأما تعيين الجانب الذي يجب إمرار الماسح عليه ومقدار المسح ، فهما خارجان عن مدلول الآية الشريفة ، فلا بدّ من تعيينهما من السنّة الشريفة ، وقد ورد فيها ما يدلّ على كونه في مقدّم الرأس ، وكفاية مقدار إصبع واحدة في الامتثال ، وإن كان الأفضل أن يمسح بمقدار ثلاث أصابع.