العصور أن يبعث منهم هذه الكثرة من الأنبياء ، ولعلّ في قوله تعالى (وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ) [سورة البقرة ، الآية : ٤٧] ، إشارة إلى ذلك.
قوله تعالى : (وَجَعَلَكُمْ مُلُوكاً).
بيان للنوع الثاني : من النعم التي أنعم الله تعالى على بني إسرائيل ، وهي النعمة الظاهريّة. وتغيير الأسلوب فيها إنّما هو لبيان أنّ هذه النعمة قد شملتهم بأجمعهم من دون استثناء ، بخلاف النعمة الاولى التي اختصّت ببعضهم ، فقال تعالى : (إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِياءَ) ، وإن كان أثرها يرجع إليهم جميعا ، لأنّ النبوّة أمر إلهيّ يخصّ الله تعالى به من يشاء من عباده ، بخلاف الملوكيّة ، فإنّها قد تشمل الجميع.
ومادة (ملك) تدلّ على التسلّط والاستيلاء ، وهو يختلف باختلاف متعلّقه ، وله مراتب متفاوتة جدا ، أعظمها وأعلاها مرتبة هو ملكية الله تعالى لما سواه ، فإنّ هذه الملكية هي الحقيقيّة ، وغيرها ترجع إليه بنحو من الأنحاء ، وقد وردت هذه المادة في القرآن الكريم في ما يزيد عن مائة وثلاثين موضعا ، وتستعمل بالنسبة إلى جميع العوالم ، قال تعالى : (مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) ، وقال تعالى : (لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ) [سورة غافر ، الآية : ١٦] ، وقال تعالى : (وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) [سورة آل عمران ، الآية : ١٨٩] ، وقد تقدّم ما يتعلّق بها في سورة الفاتحة فراجع.
والمراد به في المقام هو الاستقلال بالنفس والتسلّط عليها ومالكيتهم لأمرهم بالحرية والتدبير والملكية ، بعد أن كانوا عبيدا أرقاء للقبط والفراعنة ، ليست لهم أيّة سلطة على أنفسهم وأموالهم وامور معاشهم ، يسومونهم سوء العذاب كما ذكر عزوجل في عدّة مواضع من كتابه الشريف ، قال تعالى : (وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنْجاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ) [سورة إبراهيم ، الآية : ٦].
والفرق بين هذه الآية الشريفة وآية المقام أنّ الأخير في مقام تعظيم النعم