الْعالَمِينَ) [سورة البقرة ، الآية : ١٢٢] إشارة إلى ذلك ، واللام في العالمين للاستغراق ، فيشمل جميع الأمم الماضية من دون اختصاص بعالمي زمانهم كما عن بعض ، فإنّ ظاهر الآية الشريفة يدلّ على أنّه لم تكن امّة من الأمم إلى ذلك الوقت قد حظيت بمثل ما حظيت به بنو إسرائيل من هذه النعم ، ولا يخفى أنّ التفضيل له مراتب كثيرة وجهات متعدّدة ، فإذا فضّلت بنو إسرائيل من هذه الجهة ، فهو لا يدلّ على نفي التفضيل عن غيرهم من ناحية اخرى ، وحينئذ لا يحتاج إلى ارتكاب التأويل في هذه الآية الشريفة والقول بأنّها نزلت في شأن هذه الامّة ، دفعا لما قد يتوهّم من تفضيل بني إسرائيل عليها.
قوله تعالى : (يا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللهُ لَكُمْ).
أمر بدخول الأرض المقدّسة ، بعد استمالتهم واستنشاط هممهم بذكر نعم الله تعالى عليهم واستثارتهم بتذكيرهم آلائه العظيمة. ويستفاد من القرائن الحافّة بالكلام أنّهم كانوا يبغون التمرّد على الامتثال والنكوص عن الطاعة ، ولذا كرّر النداء مع الإضافة التشريفيّة ، حثّا على الامتثال واهتماما بشأن الأمر ، ثمّ أكّده بالنهي عن الارتداد وإلّا كان عاقبته الخسران.
ومادة (قدس) تدلّ على التنزّه والطهر ، يقال : تقدّس الله ، أي : تنزّه. وفي الحديث عن نبيّنا الأعظم صلىاللهعليهوآله : «انّ روح القدس نفث في روعي» ، يعني جبرئيل عليهالسلام ، لأنّه خلق من طهارة ، والروح هو النفس ومركز القلب ، وقد وردت هذه المادة في القرآن الكريم في ما يقرب من عشرة مواضع ، وتقدّم الكلام فيها في قوله تعالى : (وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ) [سورة البقرة ، الآية : ٣٠] ، فراجع.
والأرض المقدّسة هي الأرض المطهّرة من رجس الشرك ، والتي يمكن إقامة الدين فيها ، ولعلّ هذا هو معنى البركة التي وصف عزوجل الأرض التي وعدهم بها ، قال تعالى : (وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشارِقَ الْأَرْضِ وَمَغارِبَهَا الَّتِي بارَكْنا فِيها وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنى عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ بِما صَبَرُوا) [سورة الأعراف ، الآية : ١٣٧] ، فإنّ البركة هي الخير الكثير ، وأعلاه مرتبة هو إقامة الدين