وبسط الحقّ والعدل ورفع قذارة الشرك ، وبذلك يمكن الجمع بين كلمات المفسّرين في المراد من المقدّسة في المقام.
واختلفوا في تعيين الأرض المقدّسة ، فقيل : هي الشام ، وقيل : هي الطور وما حوله ، وقيل : اريحاء ، وقال بعضهم : دمشق وفلسطين ، وقال آخر : الأردن ، وقيل غير ذلك.
والحقّ أن يقال : إنّه لم يرد في القرآن الكريم ولا في السنّة الشريفة تحديد هذه الأرض الموعودة ، إلّا أنّ توصيفها بالبركة كما قال تعالى : (سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) [سورة الإسراء ، الآية : ١] يقرب أنّه المسجد الأقصى وما حوله ، فيستفاد أنّ هذه الأرض المقدّسة هي هذه المنطقة بالخصوص ، ولعلّ ما ورد في بعض الروايات من أنّها الشام ، هو أقرب الاحتمالات ، فإنّ أرض الشام موصوفة بالبركة عبر العصور ومرّ التاريخ ، وهي تشمل المسجد الأقصى وما حوله.
ومادة [كتب] تدلّ على الثبوت واللزوم ، سواء كان تكوينيّا أم تشريعيّا ، وكلاهما ورد في القرآن الكريم وتقدّم البحث عنها في قوله تعالى : (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ) [سورة البقرة ، الآية : ١٨٣] ، والمراد به قضاؤه عزوجل في توطّنهم في الأرض المقدّسة ، كما يدلّ عليه قوله تعالى : (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ* وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ) [سورة القصص ، الآية : ٦] ، وهذه الكتابة وإن كانت مجملة من حيث الوقت والأفراد الذين يسكنون تلك الأرض ، إلّا أنّ الخطاب للامّة من غير تعرّض للأفراد والأشخاص وأحوالهم ، كما هو شأن أغلب الخطابات القرآنيّة ، كما أنّ هذه الكتابة وإن كانت مطلقة في المقام ، إلّا أنّها مشروطة بالاستعانة بالله والصبر على الطاعة وتحمّل المشاق ، كما يدلّ عليه قوله تعالى حكاية عن قول موسى عليهالسلام : (قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُها مَنْ