يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ* قالُوا أُوذِينا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنا وَمِنْ بَعْدِ ما جِئْتَنا قالَ عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ) [سورة الأعراف ، الآية : ١٢٨ ـ ١٢٩] ، وإطلاق الصبر يشمل الصبر عن المعصية ، والصبر في الحوادث وتحمّلها ، واكتساب التقوى في التكاليف الإلهيّة ، وعند تحقّق هذا الشرط منهم تنجّز الوعد الإلهيّ ، كما دلّت عليه الآية الشريفة : (وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشارِقَ الْأَرْضِ وَمَغارِبَهَا الَّتِي بارَكْنا فِيها وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنى عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ بِما صَبَرُوا) [سورة الأعراف ، الآية : ١٣٧].
والمستفاد من مجموع الآيات الشريفة أنّ استيلائهم على الأرض المقدّسة وتوطّنهم فيها ، إنّما كان كلمة إلهيّة وقضاء ربانيّا مشروطا بالاستعانة بالله عزوجل والصبر بجميع أقسامه واكتساب التقوى ، فإذا تحقّقت منهم يتنجّز الوعد ، وعند انتفائها تشتدّ التكاليف الإلهيّة الشاقّة عليهم ، كما تدلّ عليه آيات كثيرة تبيّن أحوالهم وأخبارهم ، مذكورة في مواضع متعدّدة في القرآن الكريم.
ومن هنا حرم عليهم دخول الأرض المقدّسة ، لما أنكروا ذلك وأعرضوا عن الطاعة ، كما أخبر سبحانه وتعالى في قوله : (فَإِنَّها مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ) [سورة المائدة ، الآية : ٢٦] ، وهذا أيضا يؤكّد على أنّ دخول الأرض المقدّسة كان مكتوبا عليهم ، مشروطا غير قابل للتغيير والتبديل ، وإن لم يكن الوقت معلوما في الآيات الشريفة ، ولذا قيل : إنّ المشافهين بخطاب الدخول إلى الأرض المقدّسة ماتوا وفنوا عن آخرهم في التيه ، ولم يدخل الأرض المقدّسة إلّا أبناؤهم وأبناء أبنائهم مع يوشع بن نون. وقد ورد ذكر الوعد مع الشرط في كتاب العهد القديم ، راجع سفر التكوين ٢٦ : ٥ ، وسفر تثنية الاشتراع ١ : ٦ وغير ذلك.
قوله تعالى : (وَلا تَرْتَدُّوا عَلى أَدْبارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خاسِرِينَ).
تأكيد في أنّ الأمر بالدخول مشروط ولا يمكن أن ينال ذلك إلّا بالعمل بالشرط ، وبيان في أنّ النكوص عن الطاعة يرجعهم إلى الأدبار ، فينالوا الأمرّين من العذاب ، فيكون انقلاب خسران بجميع النعم التي أرادها الله تعالى لهم ، ومنها