وإطلاق الآية الكريمة يدلّ على جواز النكس في مسح الرأس ، فإنّه لم يكن هنا عرف أو دليل آخر ليكون موجبا لصرف الإطلاق ، كما كان في غسل الوجه واليدين ، ولكنّ الأفضل تركه لما دلّت عليه بعض الروايات.
وعلى جميع الأحوال فلا تدلّ الآية الكريمة على وجوب مسح جميع الرأس. هذا وأنّ لعلماء الجمهور ومفسّريهم في تفسير الآية المباركة أقوالا ومذاهب هي بعيدة عن سياقها ، بل تنافي فصاحة القرآن الكريم والذوق الأدبي الرفيع ، فراجع.
قوله تعالى : (وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ).
مادة (كعب) تدلّ على العلو ، ومنه سمّيت الكعبة. وكعبت المرأة إذا فلك ثديها ، والكاعب هي الجارية التي نهد ثديها وعلت ، وكعب القناة هو أنبوبها ، وفي الحديث : «والله لا يزال كعبك عاليا» ، دعاء بالشرف والمجد تشبيها.
والكعبين قيل : هما العظمان الناتئان عند مفصل الساق والقدم عن الجنبين. وقيل : هو عظم مائل إلى الاستدارة ، واقع في ملتقى الساق والقدم نات في ظهر القدم ، ويدخل نتوئه في طرف الساق ، وهو الذي يطلق عليه المفصل ، لمجاورته له.
وإذا راجعنا كلمات أهل اللغة وعلماء التشريح ، يظهر أنّ المعنى الثاني هو المراد من الكعب حيث أطلق ، إلّا إذا دلّ دليل على غيره ، ويظهر ذلك أيضا من التتبع في الأخبار المعصومية عليهمالسلام كما يأتي نقل بعضها ، وعن ابن الأثير أنّه «مذهب الشيعة» ، واستشهد بأحاديث تدلّ على ذلك.
والرجل يطلق على الكلّ والأبعاض ، فتطلق على القدم ، وعلى ما تحت الركبة ، وعلى ما يشمل الفخذ ، فقد حدّ عزوجل الرجلين إلى الكعبين ، ليكون غاية للممسوح ، على نحو ما ذكره في غسل اليدين. وأما المسح بالبعض أو الكلّ فسيعرف من البحث الآتي.
وقد اختلف العلماء والمفسّرون في إعراب الجملة على وجوه :
الأوّل : النصب عطفا على الأيدي ، فيكون العامل «اغسلوا» ، فيجب غسل الأرجل ، وقد استدلّ على هذا الوجه بأمور :