الدخول إلى الأرض المقدّسة والكرّة على أعداء الله تعالى وإقامة دين الحقّ وبسط العدل ، فالمراد من الخسران خسران الدارين.
ويستفاد من الآية الشريفة أهميّة هذا الحكم الإلهيّ في تكوينهم وتحقيق سعادتهم ، وعظيم أثره في حياتهم الدنيويّة والاخرويّة ، لأنّ الجزاء المترتّب على النكوص والإعراض كان عظيما.
قوله تعالى : (قالُوا يا مُوسى إِنَّ فِيها قَوْماً جَبَّارِينَ).
بيان لكيفيّة إعراضهم عن الطاعة ، ونقضهم للميثاق.
ومادة (جبر) تدلّ على إصلاح الشيء بضرب من القهر ، وفي حديث علي عليهالسلام : «وجبّار القلوب على فطرتها» ، أي : إصلاحها وتثبيتها على ما فطرها من معرفته جلّت عظمته والإقرار به ، شقيّها وسعيدها ، ومنه الجبّار من الآدميين الذي له السطوة والقوّة ، فيجبر غيره على ما يريد ظنّا منه الإصلاح وعلى نحو العلو ، ومنه الجبر ، وهو الإكراه ، وفي الحديث المعروف : «لا جبر ولا تفويض» ، كما أنّ منه جبر العظم ، وهو إصلاحه ، كما مرّ في الحديث ، وفي الدعاء المأثور عن علي عليهالسلام : «يا جابر كلّ كسير ، ويا مسهّل كلّ عسير» ، وقد وردت هذه المادة في القرآن الكريم في ما يقرب من عشرة مواضع ، كلّها تدلّ على الذمّ ، إلّا ما اطلق عليه تبارك وتعالى ، قال عزوجل : (الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ) [سورة الحشر ، الآية : ٢٣] ، ومعناه الذي يقهر العباد على ما أراد من أمر أو نهي ، أو يقهر خلقه على الموت والنشور.
وقيل : هو العالي فوق خلقه ، وسيأتي البحث عنه إن شاء الله تعالى ، فإنّ الجبّار من الناس هو الذي يجبر نفسه بنقيصته بادّعاء منزلة من التعالي الذي لا يستحقّها ، أو يجبر غيره على ما يريد على نحو العلو والتكبّر والقهر ، ولأجل هذا قيل : نخلة جبّارة وناقة جبّارة ، يتصوّر القهر بالعلو على الأقران ، فهي صفة مذمومة ، قال تعالى : (وَخابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ) [سورة إبراهيم ، الآية : ١٥] ، وقال تعالى حاكيا عن عيسى بن مريم : (وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيًّا) [سورة مريم ، الآية : ٣٢] ، وقال تعالى : (إِنْ تُرِيدُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّاراً فِي الْأَرْضِ وَما تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ