مِنَ الْمُصْلِحِينَ) [سورة القصص ، الآية : ١٩].
وإذا أطلقت عليه عزّ اسمه كان حقيقة وصفة كمال ، لأنّه استحقّ كلّ علو وكبرياء ، فيجبر خلقه بضروب من التدبير والحكمة المتعالية ، فهي صفة ذمّ ومدح ـ كالمتكبّر والمتعال ـ فإنّها مدح للخالق وذمّ للمخلوق ، لأنّها تنبئ عن نقص فيه ، بخلاف الخالق جلّت عظمته.
والجبّار صفة مبالغة ، وقال الفرّاء : «لم اسمع فعالا من أفعل إلّا في موضعين : جبار من أجبر ، ودراك من أدرك» ، وقد اختلفوا في المراد من هؤلاء الجبّارين ، وذكروا أمورا فيهم لا تنطبق على القواعد والسنن الطبيعيّة ، فتكون أقرب إلى الخرافات منها إلى الحقيقة والواقع.
وكيف كان ، فإنّ المستفاد من سياق الآية الشريفة أنّهم أناس أولوا بطش وقوّة قد سكنوا الأرض المقدّسة.
قوله تعالى : (وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَها حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْها).
اشتراط منهم في تنفيذ هذا الحكم ودخول الأرض بخروج القوم الجبّارين ، وهذا الشرط يكشف عن ضعف كامن في نفوسهم وشعور بالذلّ حتّى أثّر على قواهم الجسديّة ، فصار الخور والجبن ملازمين لهم ، فتمنّوا خروج الجبابرة بطرق اخرى غير القتال ، لتكون تلك الأرض غنيمة باردة لهم ، ونظير ذلك واقع في مرّ التاريخ ، ويعاني منها الشعوب المستضعفة الذين قهرت إرادتهم وسلبت حريتهم الولاة العتاة الجبابرة ، ونقل لنا التاريخ أنّ بعض العبيد كانوا يرجعون باختيارهم إلى خدمة سادتهم أثناء الحملة على تحريرهم في القرن الماضي ، فلا بدّ حينئذ للقائد لمثل هؤلاء أن يتصرّف بسرعة لإصلاح نفوسهم ، وتنشيط هممهم ، وجلب النفع لهم ، ولا يقتصر على التخيل والأمور الوهميّة.
وقد تضمّنت هذه الآيات الشريفة على امور تربويّة دقيقة في إصلاح تلك النفوس المريضة ، فقد بدأت بتذكيرهم نعم الله تعالى وايتائهم من الأمور العظام التي لم يؤت أحدا من العالمين ، ثمّ أمرهم بالدخول في الأرض المقدّسة ، ليتحقّق أهمّ