يخاف منهم ليسوا كذلك ، وأنّ الخوف حقيقة إنّما ينبغي أن يكون من الله تعالى.
كما أنّ الآية الشريفة تدلّ على أنّ في القوم رجالا كانوا يخافون الله جلّت عظمته ويتّقونه في أحكامه المقدّسة ، ومنهم هذان الرجلان ، وقد اختلفوا في اسم هذين الرجلين ، فقيل ـ وهو المعروف وبه وردت بعض الروايات ـ : يوشع بن نون وكالب بن يوفنا (يفنه) ، وذكر بعضهم أنّهما وردا في التوراة أيضا ، وقيل غير ذلك.
وكيف كان ، فقد قال بعضهم : إنّ ضمير الجمع في (يخافون) عائد إلى بني إسرائيل ، والضمير العائد إلى الموصول محذوف ، فمعنى ذلك : وقال الرجلان من الذين يخافهم بنو إسرائيل قد أنعم الله عليهما بالإسلام ، وذكروا وجوها في تثبيت هذا القول.
منها : ما رووه عن سعيد بن جبير ، كما يأتي في البحث الروائي.
ومنها : ما قرأه بعضهم (يخافون) بضمّ الياء ، وجعلها الزمخشري شاهدة على هذا القول ، أي : من الذين يخافوهم بنو إسرائيل ، ولكنّ ظاهر الآية الكريمة وسياقها يدلان على ما ذكرناه ، وغيره ممّا تكلّفوا يحتاج إلى دليل ، لا سيما أنّ ما استدلّوا به لم تثبت حجيّته.
ومنها : ما ذكره بعض المفسّرين من أنّ الخوف من العدو أقرب إلى الذهن من غيره.
وفيه : أنّ ذلك أبعد ، والأقرب هو الخوف منه جلّ شأنه.
قوله تعالى : (أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمَا).
بالاطمينان والتثبيت والوقوف على الحقّ والثقة بوعده جلّ وعلا ، وهو صفة ثانية من صفات الرجلين اللذين يخافان الله تعالى. ولا شكّ أنّ هذه النعمة عظيمة ، حيث أوصلتهم إلى مقام الخوف من الله تعالى ، الذي لم يصل إليه إلّا من خصّه الله تعالى بالكرامة وحباه بالنعمة العظيمة ، وهو من صفات الأنبياء والأولياء عليهمالسلام.
ولا ريب أنّ هذه الآية الشريفة تدلّ على أنّ مخافتهما لم تكن من أولئك