عليه ، وترك التواني والتواكل ، فإنّه يلزم عليهم أن يعملوا بما عندهم من الطاقة ، فإنّ التوكّل إنّما يكون بعد بذل الوسع ومراعاة قانون الأسباب والمسبّبات في عالم الإمكان ، كما عرفت ذلك في بحث التوكّل ، فراجع سورة آل عمران الآية ـ ١٦٠. وإنّ الشرط في (إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) محقّق لموضوع التوكّل ، فإنّ الإيمان به عزوجل حقّ الإيمان ، والتصديق بوعده ممّا يوجب التوكّل عليه حتما ، فيجب عليهم القيام بما يقتضيه إيمانهم ، ويستفاد منه التهييج والإلهاب.
قوله تعالى : (قالُوا يا مُوسى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَها أَبَداً ما دامُوا فِيها).
عناد الرجلين منهم وإصرار على التمرّد والعصيان ، وإعراض عن مخاطبة الرجلين الذين دعوا بما دعى إليه موسى عليهالسلام ، ازدراء بهما ، والجملة تتضمّن العناد عن الدخول في الأرض المقدّسة وإياسا من النصر ، واشتملت على وجوه من الإهانة والتهكّم بمقام موسى عليهالسلام ، فقد صرّحوا بالمخالفة وأصرّوا على الاستكبار ونقض الميثاق ، ولذا أوجزوا في الكلام مع موسى عليهالسلام بعد ما أطنبوا فيه في بادي الكلام ، ومن المعلوم أنّ الإيجاز بعد الإطناب في مقام الجدال والمخاصمة لا يخلو عن الإهانة وكراهة استماع الحديث ، ثمّ التأكيد على الإعراض باستعمال أداة النفي الدالّة على التأبيد ، وتأكيده بقولهم (أَبَداً) ، ومجابهته بجواب تنبئهم بكلام خارج عن حدود الأدب.
قوله تعالى : (فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا).
بيان لجهلهم لصفات الربّ عزوجل ، وفساد فطرتهم وجفاء طبائعهم ، فإنّ كلامهم هذا يدلّ على كونهم مشبّهين وثنين ، إذ وصفوه تعالى بالذهاب والانتقال ، وهما من صفات الأجسام ، وقد أخبر عزوجل أنّهم نكصوا عن التوحيد وعبدوا العجل ، فقال حكاية عنهم : (وَجاوَزْنا بِبَنِي إِسْرائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلى أَصْنامٍ لَهُمْ قالُوا يا مُوسَى اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ قالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ) [سورة الأعراف ، الآية : ١٣٨] ، ومن هنا تعرف أنّ هذه الجملة على معناها الحقيقي ، فلا نحتاج إلى التكلّف في إخراجها عنه وحملها على المعنى المجازي