كما فعله بعض المفسّرين ، فإنّهم قصدوا ذهابهما حقيقة ، كما يستفاد من ظاهر العطف (أَنْتَ وَرَبُّكَ) ، وقوله تعالى : (فَقاتِلا) ، ويدلّ عليه ذيل الآية الكريمة : (فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ).
وهذه العبارة تدلّ على جفائهم ، وبعدهم عن الأدب الرفيع ومنتهى التمرّد ، والمبالغة في العصيان ، والاستهانة والاستهزاء به عزوجل وبرسوله ، وعدم المبالاة بهم.
قوله تعالى : (إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ).
أي : لا نبرح عن مكاننا ولا نقاتل ، وقد قالوا ذلك استهانة بالله تعالى وبرسوله موسى عليهالسلام.
قوله تعالى : (قالَ رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي).
استنصار من موسى عليهالسلام في إجراء الأمر الإلهيّ ، وشكوى منه عليهالسلام إلى ربّه لحال نفسه وأخيه ، والاعتذار إليه تعالى ، والتنصّل من فعل قومه وفسقهم ، فإنّه عليهالسلام لم يتعرّض لحال غيرهما من المؤمنين ، فإنّ المقام يقتضي التعرّض لحال أنفسهما ، لا حال من خرج عن الطاعة وفسق عن أمره.
والعبارة تدلّ على غاية الانقطاع إليه عزوجل ، فقد توجّه إلى ربّه جلّ شأنه بقلب مليء بالحزن مشفق خائف وجل ، وبمثله تستجلب الرحمة وتستنزل النصرة ، وذكرنا أنّ اسم «الربّ» له أهميّة خاصّة في الدعاء وأثر عظيم في استجابته ، وهذا القول يدلّ على عظم هذا الأمر وأهميّته في حياة بني إسرائيل ، فإنّه عليهالسلام لم يتركهم على حالهم ولم ينصرف عنهم بمجرّد إعراضهم واستهانتهم له ، فإنّ هذا الأمر له الأثر الكبير في تثبيت دعوته واستمرارها ، وإنّه أساس كلّ أمر ونهي فيهم ، وفي الإعراض عن هذا الأمر تشتّت كلمتهم ، وإهدار وحدتهم ، ولهذا فقد بثّ شكواه إلى ربّه جلّت عظمته ، وطلب منه عزوجل إصلاح الأمر بعد ما بلّغ هذا الحكم ودعاهم إليه بأبلغ وجه فأعذر فيه ، فلو لم يكن الموضوع بمثابة من الأهميّة كما عرفت ، لكان مقتضى الحال أن يرجع إلى ربّه ويطلب الفصل بينه وبين قومه