قوله تعالى : (قالَ فَإِنَّها مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ).
بيان حكم العدل والقضاء الفصل ، ومنه يستفاد أنّه عليهالسلام لم يطلب منه عزوجل نزول العذاب والسخط الإلهيّ ، بل طلب ما هو صلاحهم فيه ، فإنّهم عانوا ما عانوا من شدّة العذاب الدنيويّ ، من فرعون وآله ، كما حكى عزوجل في كتابه الكريم ، فكان موسى عليهالسلام شفيقا عليهم فاستجاب عزوجل دعاء نبيّه فحرم عليهم دخول الأرض المقدّسة حتّى طهرت نفوسهم وتزكّت بتحمّل المشاق.
والحرمة هنا حرمة منع ، أي : التحريم التكوينيّ ، وهو القضاء ، لا التحريم التعبديّ التشريعيّ ، فإنّهم كانوا مأمورين بدخولها من دون نسخ ، كما يقال : حرّم الله وجهك على النار ، وقال تعالى : (وَحَرَّمْنا عَلَيْهِ الْمَراضِعَ) [سورة القصص ، الآية : ١٢] ، وقال تعالى : (وَحَرامٌ عَلى قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ) [سورة الأنبياء ، الآية : ٩٥].
ومادة [تيه] تدلّ على التحيّر ، يقال : تاه ، يتيه ، تيها ، وتوها ، إذا تحيّر ، وفي حديث معرفة الله تعالى : «فتاهت به سفينته» ، أي : إذا ضلّ وتحيّر ، والأرض التيهاء هي التي لا يهتدى فيها ، وقد استعملت بالياء والواو ، أي : تيهته أو توهته ، والياء أكثر ، واللام في الأرض للعهد.
والمعنى : أنّهم ممنوعون من الأرض المقدّسة ، فلا يدخلونها ولا يملكونها مدّة أربعين سنة ، يسيرون في الأرض تائهين متحيّرين لا يرون طريقا ولا يدرون إلى أين ينتهي مسيرهم ، فلا هم أهل مقام في البلد ، ولا هم أهل بدو يعيشون كعيشة القبائل.
والتحريم في هذه المدّة له من الحكم الكثيرة والمصالح المتعدّدة ، وقد ذكرنا في أحد مباحثنا السابقة أنّ لعدد الأربعين ميزة خاصّة وأثارا مهمّة في إصلاح النفس وتهذيبها ، وسيأتي في البحث العلمي مزيد بيان إن شاء الله تعالى.
قوله تعالى : (فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ).
الأسى هو الحزن ، وقال الراغب : «وحقيقته اتّباع الفائت الغم ، يقال : آسيت