بحوث المقام
بحث أدبي :
ذكرنا غير مرة أنّ (إذ) في مثل قوله تعالى : (وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ) ، مفعول لفعل محذوف خوطب به سيّد الأنبياء والمرسلين صلىاللهعليهوآله ، بطريق تلوين الخطاب وصرفه عن أهل الكتاب.
وقوله تعالى : (يا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ) في غاية الفصاحة والبلاغة ، فإنّ توجيه الأمر بالذكر إلى الوقت (إِذْ قالَ) ، أبلغ من توجيهه إلى ما وقع فيه وإن كان هو المقصود بالذات. و (عَلَيْكُمْ) إما متعلّق بالنعمة إن جعلت مصدرا ، أو بمحذوف وقع حالا منها إذا جعلت اسما ، أي : اذكروا أنعامه عليكم.
وذكرنا أنّ تغيير الأسلوب في قوله تعالى : (وَجَعَلَكُمْ مُلُوكاً) يدلّ على أنّهم تغيّرت أحوالهم عمّا كانت عليه سابقا ، فصاروا كلّهم ملوكا ، وهو يدلّ على أنّ المراد بالملك غير ما هو المصطلح عليه في علم السياسة والتدبير.
واللام في قوله تعالى : (مِنَ الْعالَمِينَ) للعهد ، أي : عالمي زمانهم وما سبقهم ، أو للاستغراق لجميع من سبقهم ، كما عرفت في التفسير.
وقوله تعالى : (فَتَنْقَلِبُوا) إما مجزوم بالعطف ، وهو الظاهر ، أو منصوب في جواب النهي من قبيل : لا تكفر فتدخل النار ، وناقش فيه جمع.
والجملة الاسميّة : «فإنّا داخلون» المصدّرة ب (ان) فيها الدلالة على تقرير الدخول وثباته عند تحقّق الشرط ، وفيه التأكيد على عدم دخولهم ما داموا فيها.
والقراءة المعروفة في قوله تعالى : (يخافون) بفتح الياء ، وقرأ بعضهم بضمّها. وجعلها الزمخشريّ شاهدة على أنّهما من الجبّارين ، وقد عرفت ما يتعلّق بذلك في التفسير ، وفيه احتمالان آخران مذكوران في الكتب المفصّلة ، فراجع.