بحث دلالي :
تدلّ الآيات الشريفة على اُمور :
الأول : يدلّ قوله تعالى : (وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ) على فضل بني إسرائيل وعظيم ما أنعم عليهم ، لجملة من النعم الماديّة والمعنويّة ، ولم تكن في القرآن الكريم مثل هذه الآية الشريفة التي تعدّ على بني إسرائيل أنواع النعم ، وتدلّ على تفضيلهم على غيرهم وما حباهم الله تعالى من الكرامة والفضل العظيم ، فلم تسبقهم امّة من الأمم بمثل هذه النعم ، ولكنّهم كفروا بها وأعرضوا عمّا أمرهم به الله تعالى ، ومع ذلك فإنّه عزوجل لم يتركهم سدى ، فقد ابتلاهم بأنواع المحن والبلاء ، فقد ابتلوا على قدر الكفر ، ولعلّ كتابة التيه عليهم لأجل ازدرائهم بالنعم ، ووقوعهم في اضطراب فكري ونفسي ، فكان لا بدّ من تيه ماديّ لتصلح به نفوسهم وترجع أفكارهم إلى السداد وتهتدي قلوبهم إلى الرشاد ، وسيأتي مزيد بيان إن شاء الله تعالى.
الثاني : يستفاد من سياق الآيات الشريفة في المقام النظام الإلهيّ في تنظيم شؤون الناس ، وهو يمرّ بمراحل متعدّدة.
منها : التهذيب بالتزكية والتعليم بإرسال الرسل والأنبياء ، وهذا ما يدلّ عليه قوله تعالى : (إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِياءَ).
ومنها : النضج الفكريّ وجعل الإنسان حرّا ، مالكا لنفسه ، حرّا في تصرفاته ، لا تؤثّر عليه الأفكار الدخيلة ولا يقبل الابتزاز والظلم والعدوان ، ويدلّ عليه قوله تعالى : (وَجَعَلَكُمْ مُلُوكاً).
ثمّ مرحلة الاختصاص والتمييز بما يمنحهم ربّهم من أنواع النعم الماديّة والمعنويّة التي لها الدخل الكبير في تكوين هويتهم وشخصيتهم ، ويدلّ عليه قوله تعالى : (وَآتاكُمْ ما لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ).
ولأجله تميّز بنو إسرائيل عن غيرهم من سائر الأمم.