ثمّ المرحلة الأخيرة ، وهي الاستقلال في الأرض التي تعتبر المرحلة الأشدّ صعوبة من تلك المراحل الأخيرة ، فإنّها تحتاج إلى جهاد وكفاح مستمر ، فإنّ على الأرض تطبيق واقع النظام الإلهيّ التي تبقى مهدا للأجيال القادمة ومدرسة للتهذيب والإصلاح ، ويدلّ عليه قوله تعالى : (يا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللهُ لَكُمْ) ، ويمكن أن يكون قوله تعالى : (كَتَبَ اللهُ لَكُمْ) إشارة إلى جميع تلك المراحل ، فإنّها ممّا كتبه الله تعالى على كلّ امّة تريد السعادة والصلاح لها ، فإنّها بدون هذا النظام الدقيق لا يمكن الوصول إليهما.
وهذه المراحل هي متكاملة مترابطة ترابطا دقيقا ، ولكلّ واحدة منها أسسا وقواعد متقنة ، قد شرحها عزوجل في القرآن الكريم وبيّنتها السنّة الشريفة بيانا شافيا ، ولا يمكن نيل الغرض المحمود منها إلّا بتطبيقها تطبيقا كاملا ، فإنّ الإعراض عن هذا النظام الربانيّ يوصل الإنسان إلى طريق مسدود ، لا يوقعه إلّا في متاعب تسلب راحته ، ولا يهدأ له البال وتزدحم عليه المشكلات التي ليست لها علاج صحيح إلّا بالرجوع إلى الطاعة وتطبيق نظام الشريعة الغرّاء.
وفي أحوال بني إسرائيل ـ من ابتداء حياتهم في مصر حتّى خروجهم منها والدخول في التيه ، وما لاقوه من المتاعب ـ العظة والعبرة لمن أراد أن يتّخذ إلى ربّه سبيلا ، وأسوة لمن أراد الخير والصلاح والسعادة للمجتمع وإيصاله إلى سمو الرقي.
الثالث : يستفاد من قوله تعالى : (وَلا تَرْتَدُّوا عَلى أَدْبارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خاسِرِينَ) ، أنّ الإعراض عن طاعة الله تعالى واتّباع أنبيائه الكرام يوجب سلب السعادة والوقوع في الخسران ، وإطلاقه يشمل جميع أنواع الخسران المادّي والمعنويّ.
الرابع : يدلّ قوله تعالى : (قالُوا يا مُوسى إِنَّ فِيها قَوْماً جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَها) ، على غاية الإحباط والشعور بالذلّ الكامن في نفوسهم نتيجة استعبادهم الطويل وتذليلهم المرير من قبل فراعنة مصر ، فإنّ الظلم المستمر يؤثّر على النفوس ، بل حتّى على الجمادات كما تدلّ عليه عدّة آيات ، قال تعالى : (وَلَوْ