فكانوا يقومون في أول الليل ويأخذون في قراءة التوراة فإذا أصبحوا على باب مصر دارت بهم الأرض فتردّهم إلى مكانهم ، فكان بينهم وبين مصر أربعة فراسخ ، فبقوا على ذلك أربعين سنة ، فمات هارون وموسى في التيه ودخلها أبناؤهم وأبناء أبنائهم ، فروي أنّ الذي حفر قبر موسى ملك الموت ، تمثّل في صورة البشر ، ولذلك لا يعرف بنو إسرائيل قبر موسى ، وسئل النبي صلىاللهعليهوآله عن قبره؟ فقال : عند الطريق الأعظم عند الكثيب الأحمر ، قال : وكان بين موسى وبين داود خمسمائة سنة ، وبين داود وعيسى ألف ومائة سنة».
أقول : المستفاد منها ومن الروايات الواردة في ضمن جميع الآيات الشريفة المتعلّقة بقصة التيه المذكورة ـ بعضها في سورة البقرة ، الآية : ٦١ وبعضها في المقام ـ امور :
الأوّل : أنّ الأرض المقدّسة هي الصحراء الممتدة من الشام إلى مصر ، أي : صحراء سيناء ، وحدّدت جوانبها كما يأتي في البحث التأريخي.
الثاني : أنّ بني إسرائيل بعد ما خرجوا من مصر وخلّصوا أنفسهم من عذاب فرعون ، لم يخضعوا لموسى عليهالسلام مع ماله من الفضل عليهم ، ولذلك وقعوا في الشدّة والعذاب الإصلاحيّ والتربويّ ، فأصابهم ظمأ ومجاعة في صحراء قفر ـ كما تقدّم في موجز حياتهم في سورة البقرة ، الآية : ٦١ وسيأتي مزيد بيان ـ فأمرهم موسى عليهالسلام بالهبوط إلى مصر لشدّ عزائمهم وليجدوا مآربهم ، فأبوا دخولها لما لاقوه سابقا من العذاب المرير والذلّة القاسية ، فعاندوا موسى عليهالسلام وأساؤا الأدب بربّهم (فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ) ، فوقع عليهم العذاب التربويّ ، أي : حرم عليهم دخول مصر أربعين سنة ، والحكمة في ذلك كثيرة كما تقدّم.
الثالث : أنّ السير في التيه إما أنّه معجزة خارقة للعادة كما في الرواية ، «درأت بهم الأرض».
أو سلب الله مشاعرهم التي تدلّهم على الطرق ، فجهلوها ووقعوا في متاهاتها ، فكانوا يسيرون السير الدائريّ مثلا وهم لا يشعرون.