مُوسى لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِياءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكاً وَآتاكُمْ ما لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ) ، وتقدّم في بحثي الدلاليّ والروائيّ بعض الكلام فراجع.
إلّا أنّ هذه الامّة مع عظم فضلها وكبير ما أنعم عليها ، كان الواجب عليها شكر تلك النعم بإطاعة من أنعم عليها وخصّها بها ، فتفي بعهودها التي أخذت منها ، ولكنّها نكصت عن إيمانها وأعرضت عن طاعة ربّها ، ونقضت عهودها ، ولقد حذّرهم الله تعالى مكرّرا وعلّق استدامة تلك النعم على الوفاء بالعهد ، فقال تعالى : (يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ) [سورة البقرة ، الآية : ٤٠] ، ووعظهم نبيّهم موسى بن عمران عليهالسلام وحذّرهم من وبال أفعالهم وعاقبة أمرهم ، فأصروا على العناد واللجاج استكبارا ، حتّى استحكم فيهم العصيان ونقض المواثيق ، فلم تنفعهم الزواجر ، فعاقبهم الله تعالى بأنواع العذاب ، فصاروا مثلا للعبرة والموعظة بعد ما كانوا مثالا للكرامة الإلهيّة ، وقد انغرس فيهم بعض الصفات السيئة والعادات الباطلة ، فظلّت أجيال بني إسرائيل تتوارثها على مرّ العصور ، كما حكى عزوجل أحوالهم في القرآن الكريم ، ولقد عانى الأنبياء والمصلحون في سبيل إصلاحهم وتهذيبهم ، وتحمّلوا أنواع الشدائد والمشاقّ ، فلم ينالوا ما يريدونه لتماديهم في الغي وشدّتهم في التمسّك بعاداتهم الباطلة وصفاتهم السيئة وقسوتهم على أنبيائهم ، حتّى قتلوا منهم جمعا كبيرا.
ولعلّ من أحد أسباب كثرة إرسال الأنبياء فيهم أنّ إرادته عزوجل تعلّقت بتهذيبهم وإرجاعهم إلى رشدهم وإصلاحهم وتزكيتهم ، وقد اقتضت حكمته تعالى أن ينزل من التشريعات الشديدة والأحكام القاسية في الوصول إلى الهدف الذي أرسل الرسل إليه ، بسبب عنادهم وغيّهم.
ونحن نذكر في هذا البحث من تلك الأحكام قضية التيه التي ذكرت في جميع الكتب الإلهيّة المعروفة ، والتي كتبها الله تعالى عليهم مدّة أربعين سنة ، وهي قضية مهمّة في حياة بني إسرائيل ، وتعدّ هذه القضية منعطفا تاريخيا في حياة بني