إسرائيل ، وتعتبر من أعظم الأحداث في التأريخ الإنساني ، لما وقع فيه من خوارق العادات وغرائب الأمور ، فصار التيه بحدّ نفسه مدرسة تربويّة إصلاحيّة ، وقد طال زمانه حتّى مات فيه جمع كبير ممّن خرج مع موسى بن عمران عليهالسلام ، ومات هو وأخوه في التيه ، فلم يبق منهم إلّا اثنان ، أحدهما يوشع بن نون الذي تولّى قيادة بني إسرائيل بعد موسى عليهالسلام ، وكان من أحد أصفيائه ، فاستطاع هو ومن معه من أحفاد بني إسرائيل أن يدخلوا الأرض المقدّسة بعد عناء شديد.
ونذكر في هذا البحث حقيقة التيه ، وأسبابه ، ومدّته ، ومكانه ، والحكمة فيه ، والحوادث الواقعية فيه.
حقيقة التيه :
لمعرفة حقيقة التيه يجدر بنا أن نتعرّف على حياة بني إسرائيل في مصر قبل الخروج منها ولو على سبيل الإيجاز ، فقد تقدّم في سورة البقرة بعض الكلام أيضا ، فنقول : اتّفق المؤرخون على اختلاف مذاهبهم على أنّ بني إسرائيل كانوا في مصر شعبا مستضعفا ذليلا ، فقد استعبدهم المصريون ، وأذلّهم الفراعنة وساموهم سوء العذاب ، كما حكى عزوجل أحوالهم في مواضع متفرّقة من القرآن الكريم ، وكان من نتائج ذلك أن تأثّرت نفوسهم بسبب الظلم المستمر عليهم ، فضعفت فيهم روح الثأر والانتقام وخسروا ملكة الشجاعة والإقدام ، فأنسوا بالذلّ والعبوديّة ، وألفوا الظلم والاستعباد ، فلم تكن الحرية عندهم شيئا ذا أهميّة ولم يعيروا لها أيّ اهتمام ، فأحبّوا القعود ورضوا النكد من العيش ، ورفضوا التحلّي بمكارم الأخلاق ، فكاد أن تنطفئ فيهم ملكة الاستكمال ، حتّى تعلّقت إرادته عزوجل أن يبعث فيهم من يخلّصهم من العذاب ويهديهم إلى سواء السبيل ، فالتفوا حول موسى بن عمران عليهالسلام وهم بمصر ، لا كرسول ونبي همام ، بل كقائد مقدام يرجى على يده الخلاص من ظلم المصريين واستعبادهم ، ولذلك لم يكادوا يتحقّقون من نجاتهم من فرعون حتّى شغبوا على موسى نبيّهم العظيم عليهالسلام وأعرضوا عن طاعته بعد ما أخذ