وذكر بعضهم أنّ المراد بآدم رجل من بني إسرائيل تنازع ابناه في قربانه ، فتقبّل من أحدهما دون الآخر ، فقتل الذي ردّ قربانه أخاه الذي تقبّل منه قربانه ، ولذلك قال تعالى بعد سرد القصة : (مِنْ أَجْلِ ذلِكَ كَتَبْنا عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ).
ولكن هذا القول مردود من جهات ، ويكفي فيه أنّه لم يقم دليل معتبر عليه ، مع أنّ المتبادر من ذكر (آدم) في القرآن الكريم هو أبو البشر ، ولم يرد غيره بهذا الاسم فيه.
كما أنّ ذيل الآية الشريفة يدلّ على ما ذكرناه ، فإنّ أوّل قتل وقع على هذه البسيطة هو الذي حكاه عزوجل من ابني آدم ، فكان قتلا فظيعا وحدثا عظيما ، وكان سببا في تشريع قاعدة كلّية في مطلق القتل ، وفيها من الحكمة ما يستفيد منها جميع الأمم كسائر المواعظ والحكم ، حيث لا تختصّ بامة دون اخرى.
وأما وجه كتابة هذه الحكمة على بني إسرائيل ، إما لأنّ شريعتهم أوّل شريعة عامّة ، أو لأجل أنّهم امّة العناد واللجاج والاستكبار ، وتأريخهم معروف بالفتن والحروب.
وسياق الآية الشريفة يدلّ على وعظهم وتحريضهم على الإيمان ونبذ العناد مع الرسول الكريم واتّباع الحقّ.
وكيف كان ، فقد ذكر المفسّرون والعلماء في المقام روايات غربية وحكايات عجيبة ، لا يمكن الاعتماد عليها ، وإنّما ذكر عزوجل القصة على وجه الإجمال في المقام لبيان الحقّ فيها ، فإنّها لم تخل عن تحريف وتزييف فيها ، فإنّها ذكرت في الفصل الرابع من سفر التكوين من التوراة ، وفيها من القرائن كتجسّم الباري عزوجل. ولكشف غريزة البشر وإظهار أنّ الحسد كامن في نفوسهم ، وهو الذي يؤدّي إلى التباغض والتباين والبغي والقتل ، إلّا أن يهذبه الإنسان ويستفيد منه على الوجه السليم. وقد ذكرنا أنّ الحسد أمر غريزي في كلّ إنسان ، ولا يمكن الاستغناء عنه في حياته ، إلّا أنّه لا بدّ من الاستيلاء عليه وكبح جماحه ، لئلّا يؤدّي إلى الفساد ، وقد سنّت الشرائع الإلهيّة من الأحكام والتوجيهات والإرشادات ما