الحسد هو السبب في القتل فقط ، فلم يكن هناك سبب آخر غيره ، لأنّ المقتول لم يجرم بحقّ أخيه جرما يستحقّ القتل.
قوله تعالى : (قالَ إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ).
بيان لحقيقة من الحقائق الواقعيّة في قانون المجازاة وقبول الأعمال والعبادات ، وهذه الحقيقة تبتني على قاعدتين مهمّتين ، هما أساس قانون الجزاء في الإسلام.
الاولى : ثبوت المجازاة ، الذي لا يتمّ إلّا بإيصال كلّ عامل إلى جزاء عمله وتقديره بميزان القسط والعدل ، فيثاب المحسن بإحسانه ويعاقب المسيء على إساءته ، ليكون سببا لارتداع الظالم الذي يعدّ جزاء أعماله بنفسه ، ويرغّب المحسن إلى الزيادة في الإحسان.
وهذه القاعدة لا تتمّ إلّا بنظام خاصّ متقن يقوم على العلم والقدرة والحكمة المتعالية ، ولذا كان من شؤون الربوبيّة العظمى لربّ العالمين ، وقد تقدّم بعض الكلام في سورة الفاتحة فراجع.
الثانية : وهي أنّ قبول الأعمال مطلقا إنّما يدور مدار التقوى ، التي هي أساس الكمالات ، ولا يمكن تحصيلها إلّا بجهد شخصيّ مرير ، وتدلّ عليها جملة من الأدلّة ، منها هذه الآية المباركة التي ترمز إلى معنى دقيق يعدّ بنفسه من أسس قانون المجازاة الإلهيّة ، وهو أنّ حرمان الإنسان من جزاء عمله إنّما يكون من تقصيره ، ولا بدّ من السعي في إزالة ما يكون مانعا عن القبول ، ولا يمكن ذلك إلّا بالتقوى ، فلا بدّ من الاجتهاد في تحصيلها مهما أمكن ، ليكون محظوظا عند ربّ العالمين ، لا السعي في إزالة حظّه ونعمته ، فإنّ ذلك يضرّه ولا ينفعه.
ومن ذلك يعلم أنّ القصر في قوله تعالى : (إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللهُ) قصر القلب ، ردّا لما زعمه القاتل من قبول عمله حسبانا منه أنّ الأمر لا يدور مدار التقوى ، وأنّ التقي وغير التقي في ذلك على حدّ سواء ، إلّا أنّ الآية الشريفة قصرت القبول على المتقي فقط ، فلا حظّ لغيره من عمله.
والظاهر من الآية المباركة وما ورد في تفسيرها عن المعصومين عليهمالسلام