قتله لأن يسعد هو من دون أن يتلبّس بظلم ، لأنّه ينافي التقوى ، ولا يتّفق مع الخلق الكريم الذي يريد أن يتحلّى به ، ليكون أقرب إلى الكمال ، وقد أكّد ذلك كلّه ب (لام) القسم ، وبجملة النفي الاسميّة المقرون خبرها بالباء ، وذكر الصفة (بباسط) دون الفعل ، لأنّ نفي الصفة أبلغ من نفي الفعل ، ولبيان التبري عن متمّمات الفعل فضلا عنه ، كلّ هذا التأكيد للإعلام بأنّه لا يضمر السوء ، وأنّه بعيد عن الانتقام ، وأنّه يسعى إلى نيل الكمال ، لا إعمال غريزة من الغرائز الإنسانيّة ونيل لذّة وقتية مباحة له من قبل الشرع ، وترك سعادة أبديّة وكمالا واقعيا ، وهذه هي روح الشرائع الإلهيّة وأصل من اصول المعارف الدينيّة أراد الأخ العالم المتّقي أن يلقيه إلى أخيه الجاهل ، ابتغاء مرضاة الله تعالى ، فهو لم يستسلم لأخيه القاتل ، وإلّا لقال : إنّك إن أردت أن تقتلني ألقيت نفسي بين يديك استسلاما لك ، وإنّما قال : «لأقتلك» ، أي : إذا أردت البغي والظلم فلم أرد ذلك لا خوفا ولا جبنا ، فكن في مأمن من قبلي ، ويدلّ على ذلك ما في بعض الروايات أنّ قابيل كان يخاف من هابيل ، وقد قتله غيلة ، فلا يعارض بأنّ قابيل وإن أفرط في الظلم ، ولكن هابيل قصّر في التصدّي عن الاعتداء ولم يقابله بالدفاع عن نفسه ، فإنّه كما عرفت لم يرد القتل فقط ، ولم يقل : إنّي لم أدافع عن نفسي.
والآية المباركة تبيّن صفاء فطرة هابيل وطهارة طينته.
قوله تعالى : (إِنِّي أَخافُ اللهَ رَبَّ الْعالَمِينَ).
تعليل للامتناع عن بسط يده ليقتله بألطف أسلوب وأبلغ موعظة وأحسن استعطاف ، أي : لا أريد أن يراني الله تعالى باسطا يدي لقتل أخي وظالما له ، فإنّ ذلك من موجبات سخطه وعقابه ، وهو ربّي وقد أحسن إليّ وأنعم عليّ بأنواع النعم ، وربّ العالمين الذي يربيهم بفضله وإحسانه ، فلا ريب أنّ الاعتداء عليهم أعظم مفسدة وإخلال بالغرض.
وفي الآية الشريفة : إرشاد إلى لزوم خشية الله تعالى على أتمّ وجه ، فإنّه ربّ العالمين الذي يربيهم بالعدل ، فيجازي المعتدي بالعذاب بما يغرس في نفوسهم