غريزة الخوف منه عزوجل ، فلا يرتكبوا ظلما يوردهم مورد الهلكة والخسران.
قوله تعالى : (إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ).
تعليل آخر لامتناعه عن البسط وبيان له أيضا ، ولذا ترك العطف بينهما ، والمراد بالإرادة هنا هي اختيار أحد الأمرين عند دوران الأمر بين الخير والشرّ ، فإنّه قد اختار طريق الخير ، وهو الموت مع السعادة وعدم تحمّل تبعات الإثم وآثاره السيئة ، وإن استلزم شقاء أخيه باختياره السيء الحياة مع الشقاء والخسران والدخول في سخط الله تعالى ، فيتحمّل إثم فعلي لو فعلته ، الذي تركته باختيار السعادة وترك المقابلة بالمثل ، وأثم فعله الشنيع أيضا.
ومادة (بوء) تدلّ على اللزوم ، ومنه أبوء بنعمتك ، أو أبوء بذنوبي ، أي : أقرّ وألتزم ، منه الرجوع ، قال تعالى : (فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ) [سورة الأنفال ، الآية : ١٦] ، أي : رجعوا إليه والتزموا به ، وتقدّم الكلام فيه فراجع.
وممّا ذكرنا يظهر وجه الضعف في ما قيل في المقام من أنّه ذكر إرادته لتمكين أخيه من قتله ليشقى بالعذاب حتّى يكون هو سعيدا ، فإنّه لم يرد تمكين أخيه من قتله ، لأنّه من التسبيب إلى ضلال أحد وشقائه ، وهو ظلم محكوم بالفطرة ، وإنّما هو أراد ذلك إن اختار أخوه قتله ، وقد ذكرنا آنفا أنّه لم يمكّن نفسه من القتل أبدا ، وإلّا اشتركا في الإثم ، فالآية الكريمة بمجموعها تدلّ على أنّ هابيل لم يضمر الشرّ لأخيه أبدا ، ولم يحدّث نفسه في التعدّي على أخيه ، وإن أضمر أخوه الشرّ له ، فإنّ ذلك لا يكون سببا في الهلاك والخسران ، فإذا اختار الأخ قتله ، فإنّه يرجع إلى نفسه الشريرة ، فهو يتحمّل تبعات فعله ، لأنّه المباشر للقتل ، وتبعات إثمي لو فعلته ، فيحمّله إثم المقتول على تقدير قتله إيّاه.
أو أنّ المراد من الآية الشريفة أنّه لو اختار القتل فقتل أخاه ، تحمّل جميع آثامه ، لأنّه اعتدى على مظلوم لا يستحقّه ، فيورث القاتل جميع آثام المقتول ، الذي لو لم يقتله لجازاه الله تعالى بها ، إلّا أنّه بقتله إيّاه أورثه الله تعالى إيّاها ، وقد وردت ذلك في بعض الروايات.