قوله تعالى : (فَتَكُونَ مِنْ أَصْحابِ النَّارِ).
الآية من قبيل ترتّب المسبّب على السبب ، الذي هو اختيار طريق الشرّ ، أو ارتكاب المآثم التي توجب النار ويكون من أصحابها ، فيدرك ألمها وعذابها.
قوله تعالى : (وَذلِكَ جَزاءُ الظَّالِمِينَ).
تقرير لما قبله ، وفيه التعليل على كونه من أصحاب النار التي أعدت للظالمين. وفي الآية المباركة الدلالة على أنّ تحمّل القاتل إثم المقتول إنّما هو لأجل التنبيه بالظلم ، ولا ينافي ذلك قوله تعالى : (أَلَّا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) [سورة النجم ، الآية : ٣٨] ، فإنّ ذلك صحيح بالنسبة إلى أصل القضية وطبع كلّ عامل.
وأما إذا كان هناك دليل من الخارج على تحمّل بعض إثم الآخرين ، فلا إشكال حينئذ والعقل لا يحكم بقبحه ، وبعبارة اخرى : أنّ مؤاخذة الإنسان بذنب غيره قبيح لو لم يكن سببا في تحمّله له ، فإنّ الأسباب تتبّع المصالح ، كما بالنسبة إلى أحكام العقل العمليّ التي تتبّع المصالح ، فإذا اعتبر الشارع أو المجتمع الإنسانيّ أنّ الفعل الصادر عن أحد هو فعل صادر عن غيره ، فيحكم بمؤاخذته به ، كما ورد أنّ : «من سنّ سنّة سيئة كتب له وزرها ووزر من عمل بها» ، لأنّه السبب في إيقاع غيره في الذنب ، أو كان الذنب عظيما ، له الأثر في إخلال الأمن في المجتمع وشيوع الفساد فيه ، فإنّ المجتمع قد يسلب عن الباغي جميع حسناته ويؤاخذه بسيئات غيره ، أو يعتبر أوزار المظلوم أوزارا للظالم ، لأنّه بفعله قد تملّكها بسبب الظلم عليه ، فهذه الآية الشريفة تبيّن وجه تحمّل قابيل إثم هابيل ، ولا نحتاج بعد ذلك إلى أقوال المفسّرين ، الذين لهم في تفسير هذه الآية وجوه لم يقم دليل على اعتبارها ، ولا يساعد عليها ظاهر الآية المباركة.
قوله تعالى : (فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ).
الآية الشريفة في غاية الفصاحة والبلاغة تبيّن الصراع المرير داخل النفس الإنسانيّة بين قوى الخير وقوى الشرّ ، وتغلّب النفس الأمّارة وانقيادها لتنفيذ الشرّ ، ولا ريب أنّ ذلك لا بد أن يمرّ بمراحل وخطوات وهمسات في النفس