قوله تعالى : (فَقَتَلَهُ).
بعد أن لم تنفعه المواعظ والزواجر وتغلّبت صوارف الفطرة والحكمة والعقل ، فانقادت له نفسه الأمّارة ، فقتل أخاه ظلما وعدوانا.
قوله تعالى : (فَأَصْبَحَ مِنَ الْخاسِرِينَ).
الذين خسروا كلّ ما يمكن أن ينال به الفوز والفلاح ، فقد خسر نفسه بإفساد الفطرة ، وخسر دنياه إذ بقي مدّة عمره نادما محزونا ، وخسر آخرته بارتكاب الظلم ، فلعنه الله تعالى ولعنه اللاعنون ، فلم يكن أهلا لنعيم الآخرة ، لأنّها دار المتّقين.
قوله تعالى : (فَبَعَثَ اللهُ غُراباً يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ).
إعلام لسقوط نفس قابيل عن قابلية الإلهام والإفاضة عليها بلا واسطة من الله جلّ جلاله ، أو من التعلّم من والده النبيّ المعصوم عليهالسلام بطريق السئوال مثلا على نحو الكلّية لا لخصوص الواقعة. ثمّ لا يخفى كمال رأفته تبارك وتعالى بالصالحين من عباده ، حيث لم يرض عزوجل بأن يكون جسد عبده الصالح مورد افتراس السباع ، فدبّر تعالى له كيفيّة دفنه بهذا التدبير الحسن.
والبحث التفتيش والطلب عن شيء ، وسمّيت سورة التوبة بسورة البحث ، لما تضمّنت من البحث عن أسرار المنافقين ، وهو إثارتها والتفتيش عنها. وقيل : إنّ أصل استعماله إنّما هو في البحث في التراب ، والمراد به هنا الحفر الحاصل من استمرار البحث وإطالته ، كما يدلّ عليه الفعل المضارع.
واللام في «ليريه» للتعليل ، والضمير المستكن فيه يعود إلى الله تعالى ، أو للصيرورة والعاقبة إذا كان الضمير عائدا إلى الغراب ، والثاني هو الأقرب وإن كان المعنى صحيحا على التقديرين.
وجملة (كيف يواري) مفعول ثان (ليري) ، ومادة «ورى» تدلّ على الستر ، ومنه التواري ، أي : التستّر ، ويطلق الوراء على ما هو خلف الشيء. والمراد بالمواراة هو الدفن ، بحيث يستر الجسد عن أعين الناس. والسوأة هي ما يكرهه الإنسان ؛