وتطلق على العورة لما تسوء ناظرها ، والمراد بها في المقام جميع الجسد.
وظاهر الآية المباركة أنّ الله بعث غرابا إلى المكان الذي يراه القاتل ، يبحث في الأرض برجليه ويفتش فيها مستمرا حتّى إذا أحدث حفرة ، اهتدى قابيل كيف يواري جسد أخيه المقتول ، بعد أن كان متحيّرا في كيفيّة التخلّص منه. هذا هو المعنى الظاهر من الآية الشريفة.
ويمكن أن يستفاد من قوله تعالى : (لِيُرِيَهُ) ، أنّ قابيل كان بعيدا عن كلّ ما يمكن أن يتوصّل به إلى كيفيّة التخلّص من سوأة أخيه ، لا سيما بعد ما ذكر أنّ ظلمه كان سببا لانقطاع الفيض عنه ، وقد تعلّم ذلك من الغراب الذي بعثه الله تعالى لأجل هذه الغاية فقط ، فلا بدّ أن يكون تعليمه له مستجمعا للخصوصيات التي توجب رفع الحيرة عنه ، التي هي من أهمّ موجبات شذوذ الذهن وعدم اهتدائه إلى شيء أيضا ، فمن المحتمل أن يكون الغراب قد تنازع مع غراب آخر فاقتتلا ، ثمّ بحث القاتل مستمرا في الأرض ليحدث حفرة يدفن فيها الغراب المقتول ، فكان في ذلك النكاية والتقريع والإرشاد والتعليم ، ولعلّ ما ورد في بعض الروايات من ذكر بعض الخصوصيات إنّما هي مأخوذة من ظاهر الآية الشريفة.
وذكر بعض المفسّرين أنّ القصد من بعث الغراب إنّما هو إراءة المواراة وكيفيّتها ، وقد حصلت ببحث الغراب في الأرض ثمّ دفنه فيها شيئا. وما ذكره صحيح ، إلّا أنّه لم يتحقّق جميع تلك الغايات التي ذكرناها آنفا ، مع أنّه لا يتّفق مع سذاجة الفهم والحيرة التي كانت مستولية على قابيل ، فكانت حالته تقتضي مزيدا من التعليم والدقّة فيه.
وكيف كان ، فقد بعث عزوجل الغراب بالخصوص ، لما ذكر أنّ من عادته دفن بعض الأشياء في الأرض ، الذي هو مظهر من مظاهر حيطته وحذره الشديد ، فقد ورد في بعض الأخبار : تعلّموا من الغراب حذره.
قوله تعالى : (قالَ يا وَيْلَتى أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هذَا الْغُرابِ فَأُوارِيَ سَوْأَةَ أَخِي).
تحسّر وتلهّف وتأسّف على ما فاته من الفائدة ، وندم على إهماله التفكير في