الاستفادة ممّا عنده من الإمكانات في التماس الحيلة لمواراة سوأة أخيه حتّى تعلمه من الغراب بسهولة ، وتقريع للنفس بالعجز أن يكون مثل الغراب في المواراة ، وتوبيخ لها في إيقاعها في الشقاء مدّة من غير سبب ، وتأنيب للضمير في فعله الشنيع بإظهار الندامة عند ما عرف أنّه أهمل الأسباب المؤدّية إلى دفع المضرّة عن نفسه ، وبيان تألّمه على حاله ، كلّ ذلك يستفاد من ظاهر الآية الشريفة.
وكلمة «يا ويلتا» التي تدلّ على التحسّر والتلهّف تقال عند حلول الدواهي والعظائم ، والويلة كالويل الهلكة والبلية ، والألف في الكلمة بدل ياء المتكلّم. والأصل (يا ويلتي) ، والنداء للويلة لإفادة ما فاته من السبب والوسيلة ، كما عرفت آنفا.
والاستفهام للتعجّب من عجزه ، والخطاب مع نفسه كما هي العادة في مثل هذه الحالة ، وفيه التعجّب من عجزه ممّا اهتدى إليه الغراب وكونه أشرف منه.
قوله تعالى : (فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ).
بيان للحالة التي تعرض لكلّ إنسان عقب ما يصدر عنه من الخطأ والفعل الشنيع وارتكابه ما يكره أن يطّلع عليه الناس أو يرفضه المجتمع ، وربّما يكون الندم توبة إذا كان سببه الخوف من الله تعالى والتألّم من التعدّي على حدوده وارتكاب ما لا يرضاه عزوجل ، وفي الحديث : «كفى بالندم توبة». وأما إذا كان سببه فوت منفعة أو حدوث مضرّة ، فلا يكون الندم حينئذ توبة ، كما هي العادة في ما إذا ظهر للإنسان بعد ارتكابه الفعل أنّه قصّر في تدبير أمره واتخاذ الحيطة اللازمة عند ارتكابه الجريمة ، ولذا لو عاد فإنّه يصلح ما فاته في المرّة الاولى ، فلا يكون مثل هذا الندم توبة.
الظاهر من الآية المباركة أنّ ندامته من جهة عجزه عن مواراة سوأة أخيه ، أو ندمه على أصل القتل قبل أن يتّخذ جميع الإجراءات ، وقبل أن يعرف ما يصنع بجسد أخيه ، فالندامة تأثير روحيّ خاصّ في الإنسان يعرض عند ارتكاب الخلاف ، ولكن يختلف أسبابها ، فقد يكون من الله تعالى ، فتكون حميدة موجبة