والتشريعات والتوجيهات ، وأوّل فعل كشف عن حرية الإرادة والاختيار في الإنسان على هذه الأرض.
ولعلّ ذكر الحقّ في المقام ، لبيان تلك الوجوه وغيرها ممّا لم نذكره ، وللإشارة إلى أنّه قد ذكر فيه ما لم يستند إلى دليل معتمد ، وأنّ بني إسرائيل هم الذين حرّفوا هذا الموضوع وادخلوا فيه بعض الأباطيل.
الثاني : يدلّ قوله تعالى : (إِذْ قَرَّبا قُرْباناً فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِما وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ) ، على مشروعيّة تقديم القرابين ، بل هو من الفطريات ، ولم تخلو شريعة من الشرائع السماويّة منها ، وإن اختلفت في بعض الخصوصيات ، إلّا أنّها اتّفقت على أن يكون القربان خالصا لوجهه الكريم ، ولا يختصّ بنوع خاصّ ، فيشمل كلّ ما يصحّ التقرّب به إليه عزوجل.
الثالث : يدلّ قوله تعالى : (إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) ، على حقيقة واقعيّة تدعو إليها الفطرة المستقيمة ، وقد أخبر بها هابيل في وقت لم تنطمس الفطرة بالحجب والموانع.
ويستفاد من الحصر أنّ القبول يدور مدار التقوى التي لها مراتب متفاوتة جدا ، وتختلف درجات القبول مدارها ، ومن المعلوم أنّ التقوى التي كانت مطلوبة في زمان ابني آدم ، غير التقوى المطلوبة في الشرائع المتأخّرة ، والعظمى من تلك المراتب ما عليه في شريعة الإسلام التي حوت من الكمالات أسماها ومن مراتب التقوى أكملها وأغلاها ، فكان الجزاء عظيما على قدر عظمة التشريعات فيها ، وسيأتي في البحث الكلاميّ ما يرتبط بالمقام.
الرابع : يدلّ قوله تعالى : (إِنِّي أَخافُ اللهَ رَبَّ الْعالَمِينَ) ، على أنّ الخوف منه جلّت عظمته هو من أعظم الحواجز عن ارتكاب المحرّمات ، وأهمّ المعدات لنيل ملكة التقوى ، والعلّة الوحيدة التي يمكن أن تكبح الشهوات والنفس الأمّارة وتقويمها بمكارم الأخلاق وتزيينها بمحامد الصفات ، وقد تقدّم الكلام في الخوف ، وذكرنا أنّه من الصفات السيئة ، إلّا الخوف من الله تعالى ، فإنّه صفة حميدة ، ولم ينلها إلّا من بلغ مرتبة من العلم والعمل الصالح.