الخامس : يدلّ قوله تعالى : (إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ) ، على أنّ بعض المعاصي ممّا يوجب كسب مظالم الغير وتحمّل آثامه ، لشناعتها وفظاعتها ، وممّا يعتبرها العرف والعقل موجبا لتحمّل آثامه وتبعات من وقع عليه الظلم ، كالقتل العمديّ والبغي على الآخرين ، فإنّه يوجب انتقال إثم المقتول ظلما إلى قاتله ، مضافا إلى إثمه ، ويدلّ أيضا على أنّ المظلوم ممّن ينتصر الله تعالى له إن عاجلا أو آجلا.
السادس : يدلّ قوله تعالى : (فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ) ، على حقيقة من الحقائق الواقعيّة التي يدركها الإنسان عند ما يهمّ بالمعصية وارتكاب الآثام.
والمستفاد منه أنّ النفس يصعب عليها ارتكاب المعصية ، لا سيما القتل ؛ فإنّه مستصعب عظيم على النفوس ، ولا يصل الفرد إلى حدّ الارتكاب إلّا بعد صراع بين القوى الداخليّة ، فتردّه النفس الأمّارة بالسوء طائعا منقادا ، حتّى يوقع صاحب هذه النفس في الموبقات والمهالك ، وقد ذكرنا ما يتعلّق بذلك فراجع.
السابع : يستفاد من قوله تعالى : (فَبَعَثَ اللهُ غُراباً يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ) ، إمكان انتفاع الإنسان بالحسّ وتعيين خواصّ الأشياء من ناحية الحسّ الحاصل من التجربة ، وبعد ذلك يتوصّل الإنسان إلى الكلّيات من التفكّر في ما حصله من التجربة والحسّ.
وتعتبر هذه الآية الشريفة من أهمّ الآيات القرآنيّة الحاكية عن حال الإنسان من حيث علومه ومعارفه ، وما يفضي به البحث العلمي المبتني على الحسّ ، ثمّ الاستنتاج والتفكّر وتنظيم القواعد والكلّيات ممّا يحسّه الإنسان من الجزئيات ، وبذلك اختلفت نظرية المعرفة الإسلاميّة عن غيرها ممّا تقصر المعرفة على واحد من تلك المنابع ، إما الحسّ أو التذكّر أو العلم الفطريّ أو غيرها ، فإنّ الإسلام لا ينكر هذا الجانب أيضا ، ويقول بتعدّد ينابيع المعرفة ، ولا يهمل الجانب الحسيّ أبدا ، ولكن لا يعدّه المنبع الوحيد في المعرفة الإنسانيّة حتّى يستلزم إشكالات متعدّدة ذكروها في الكتب الفلسفيّة ، واعتبر تلك المنابع المتعدّدة هي وحدة متكاملة يكمل أحدها الآخر ، فصارت للمعرفة مصادر متعدّدة لا يمكن