تبارك وتعالى عهد إلى آدم عليهالسلام أن لا يقرب هذه الشجرة ، فلما بلغ الوقت الذي كان في علم الله أن يأكل منها فأكل منها ، وهو قول الله تعالى : (وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً) ، فلما أكل آدم من الشجرة اهبط إلى الأرض ، فولد له هابيل وأخته توأم ، وولد له قابيل وأخته توأم ، ثمّ إنّ آدم أمر هابيل وقابيل أن يقرّبا قربانا ، وكان هابيل صاحب غنم ، وكان قابيل صاحب زرع ، وقرّب هابيل كبشا من أفاضل غنمه ، وقرّب قابيل من زرعه ما لم ينق ، فتقبّل قربان هابيل ولم يتقبّل قربان قابيل ، وهو قول الله عزوجل : (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبا قُرْباناً فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِما وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ) ، وكان القربان تأكله النار ، فعمد قابيل إلى النّار فبنى لها بياتا ، وهو أوّل من بنى بيوت النار ، فقال : لأعبدنّ هذه النار حتّى تتقبّل منّي قرباني ، ثمّ إنّ إبليس (لعنه الله) أتاه وهو يجري من ابن أدم مجرى الدم في العروق ، فقال : يا قابيل! قد تقبّل قربان هابيل ولم يتقبّل قربانك ، وإنّك إن تركته يكون له عقب يفتخرون على عقبك ويقولون : نحن أبناء الذي تقبّل قربانه ، فاقتله لئلّا يكون له عقب يفتخرون على عقبك ، فقتله ، فلما رجع قابيل إلى آدم عليهالسلام قال : يا قابيل أين هابيل؟ فقال : اطلب حيث قرّبنا القربان ، فانطلق فوجد هابيل قتيلا ، فقال آدم عليهالسلام : لعنت من أرض كما قبلت دم هابيل ، وبكى آدم على هابيل أربعين ليلة».
أقول : يستفاد من هذه الرواية امور :
الأوّل : يحتمل أن يكون المراد من العهد الوارد في الآية المباركة (وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ) [سورة طه ، الآية : ١١٥] ، العهد التكوينيّ ، أي : الذي ركز في عقل آدم عليهالسلام بأن لا يقرب الشجرة الخاصّة التي تميّزت ببعض الصفات التي تنفر عنها العقل ، وأنّ ما ترتّب على مخالفة ذلك العهد من الآثار الوضعيّة ـ من الخروج عن الجنّة ، والسير الطبيعيّ الاستكماليّ في هذه الدنيا ، والخلود في الجنّة والنّار ، وغيرها ـ كانت في الأزل مقرّرة ، وأنّ إرادته تعالى تعلّقت بذلك.
وبناء على هذا ، يسقط النزاع في أنّه كيف صدر من آدم عليهالسلام المعصية؟ فإنّ